للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مدَّةً ولم يتسبَّب عن حياته نفعٌ= كان من هذه الجهة كأنه لم يُخْلَق، فإنه لو لم يُخْلَق يكون الحال كذلك، أي أنه لا يوجد نفعٌ يُنسَب إلى خلقه وعيشه.

فحلُّ العبارة هكذا: كأنَّ الدنيا زائلة، أي: الآن، وكأنها إذا زالت لم تكن. ثم طُوي التشبيه الثاني، واستعيرت الصفة للدنيا، فقيل: "لم تكن" وجُعل هذا اللفظ بدل حقيقته في التشبيه الأول، فصار: "كأن الدنيا لم تكن" ــ أي: الآن، ثم كُني عنه على ما سمعت أولًا. وقس عليه بقية العبارة، وهي "وبالآخرة لم تَزُل".

واعلم أنك إذا قلت ــ وزيد غائب ــ: "كأنك بزيد قادم". فقد تمَّ الكلام بقولك: كأنك بزيد، لأن التقدير: كأنك متلبِّس بزيد في الحال، فقولك: "قادم" خبر لمبتدأ محذوف.

وإذا قلت ــ وزيد حاضر ــ: "كأنك بزيد مسافرًا" فلا يتم الكلام إلا بقولك: مسافرًا، فـ"مسافرًا" حال، فتدبَّرْ.

هذا تحقيق هذا التركيب، وقد أطالوا فيه بما في بعضه تخليط (١).

وتردد التقي السبكي في صحته قال: " [وقد استعملتُ في كلامي هذا: "وكأني بك" لأن الناس يستعملونه، ولا أدري هل جاء في كلام العرب أم لا، إلا أن في الحديث: "كأنِّي به"، فإنْ صحَّ فهو دليل الجواز. وفي كلام بعض النحاة ما يقتضي منعه ... "] (٢).


(١) راجع "المغني مع حواشي الدسوقي" (١/ [٢٨٠])، و"الأشباه والنظائر النحوية" للسيوطي (٤ /). [المؤلف] طبعة مجمع اللغة العربية بدمشق (٤/ ٢٠ - ٣١).
(٢) بيَّض المؤلف هنا نحو أربعة أسطر لنقل كلام السبكي ووضع في أولها علامة التنصيص، فأوردناه من "الأشباه والنظائر" للسيوطي (٤/ ١٨٨ - ١٨٩).