للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ} [الروم: ٤٨].

الأفعال في هاتين الآيتين إما للاستمرار وإما للحال، والأولى في قوله: {فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ} أنه للحال، شبه خروج الودق من خلال السحاب فيما يتكرر في الماضي والمستقبل بخروج منه يقع في الحال إلخ، وإثبات الرؤية في الحال تخييل.

[ص ٣٣] وفي القرآن أسلوب آخر قريب من هذا، وهو التعبير بقوله: {وَلَوْ تَرَى}، كقوله عزَّ وجلَّ: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ} الآيات [سبأ: ٣١].

قد يتراءى أن هذا الأسلوب دون الأول في البلاغة، ولكنه عوّض بأن حذف جواب لو، وذلك يعطي أن الجواب يُفهَم مما ذكر في سياق الشرط، وهذا يحمل السامع على أن يكرر النظر والتدبر فيما ذكر حرصًا على أن يفهم الجواب. وبهذا يحصل المقصود، فتدبَّرْ.

وهناك فائدة أخرى للتعبير بما هو للحال عما ليس في الحال، وهو إيهام المتكلم أن يعتقد الحصول في الحال، وأكثر ما يقع ذلك في المراثي. وتوجيهه أن المحبّ لشدّة حرصه على بقاء حبيبه، وإشفاقه من موته، يبادر إلى ردِّ خبر الموت، كما وقع لعمر رضي الله عنه عند وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم (١). فإذا تحقق الخبر بقي عنده شبه تردُّد قد يغلبه بعض


(١) كما في حديث عائشة، أخرجه البخاري في كتاب فضائل أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ، باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : "لو كنت متخذًا خليلًا" (٣٦٦٧).