للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وذكرت هناك قول نفيل وكان مع الحبشة:

حمدتُ الله إذ عاينتُ طيرًا ... وخفتُ حجارةً تُلقَى علينا

وقوله بعد ذكر الطير:

يرميننا مقبلاتٍ ثم مدبرةً ... بحاصبٍ من سَواء الأفقِ كالمطر

وأنه إن كان هناك اشتباه، فقد اشتبه الأمر على نفيل ــ مع أنه ليس ببعيد، بل هو مع الحبشة حتى خاف أن تقع عليه الحجارة التي يرى أن الطير تلقيها كما مرّ ــ والتابعين وكذلك على الصحابة. فلو كان اشتباه لكان عامًّا ولكان ينبغي أن يكشفه القرآن، لا أن يزيد الناس جهلًا إلى جهلهم.

والمقصود هنا أنّ ما ادعى من علم أهل مكة في [ص ٥١] (١) وقت نزول السورة بأن الطير لم ترم، ليس بصحيح. وإذا كان الأمر كذلك، فاستعمال المجاز بدون قرينة ظاهرة ضرب من الكذب يتنزه القرآن عنه.

فإن قيل: هناك قرينة أخرى، وهي استحالة أو بعد أن يقع رمي الطير.

قلت: الاستحالة العقلية لا يمكن ادعاؤها، والعادية إنما تصرف عن الحقيقة في مواضع ليس هذا منها. وذلك كأن يكون المتكلم لا يجوّز خرق العادة، أو يكون المخاطب كذلك والمقصود خطابه بما يعترف به، أو تكون القصة عادية محضة لا تناسب الخرق كما قصّه الله عزَّ وجلَّ من قول إخوة يوسف: {يَاأَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا


(١) بين ص ٥٠ و ٥١ صفحتان لم يرقمهما المؤلف رحمه الله لكونهما غير متعلقتين بالسابق واللاحق.