للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد كان جماعة من أئمة الأخبار يسمعون شعر ذي الرمة من فيه، وكانوا أحرص شيء على تلقف الأخبار، والاستشهاد عليها بما يتعلق بها من الشعر، كما مرّ في سيرة ابن هشام في واقعة الفيل. وكما ترى في "الأغاني" في قصة حرب يوم جبلة كما يأتي، وكذلك في قصة الحرب يوم الكلاب، وذكر أبياتًا لذي الرمة من هذه القصيدة نفسها تتعلق بيوم الكلاب (١).

ولعل العلماء سألوا ذا الرمة عن أبرهة هذا، فأجابهم بأنه ملك من ملوك حمير، وحكى لهم إشاعة مجملة لم يجدوا لها أصلًا، ولا رأوا لنقلها فائدة. والله أعلم (٢).

واعلم أن التسمي بأبرهة معروف في اليمن قديمًا، فقد عدوا في ملوكهم أبرهة ذا المنار ابن الرائش، وكان قبل بلقيس، فإنها بلقيس ابنة الهدهاد بن شرحبيل بن عمرو بن الرائش (٣).

وزعموا أن "أبرهة" كلمة حبشية، معناها: الأبيض (٤). والأقرب أنها كلمة [ص ١٩] حميرية، فإنهم استعملوها قديمًا كما عرفت.


(١) راجع الأغاني (١٥/ ٦٩ - ٧٥). [المؤلف]. ط الثقافة (١٦/ ٢٦٢).
(٢) في معجم البكري (٤٦١): قال المخبل السعدي يفخر بنصرتهم أبرهة بن الصباح ملك اليمن، وكانت خندف حاشيته:
ضربوا لأبرهة الأمور محلُّها ... حُلُبانُ فانطلقوا مع الأقوالِ
ومحرّق والحارثان كلاهما ... شركاؤنا في الصهر والأموالِ
(٣) راجع مروج الذهب بهامش نفح الطيب (١/ ٥٧٣)، وفي غيره من الكتب ما يخالفه. [المؤلف].
(٤) انظر: التيجان (١٣٦)، والاشتقاق لابن دريد (٥٣٢). وفي المعجم الجعزي المقارن (١٠٣ - ١٠٤) أن معنى أبره: أنار، أضاء، وضّح.