للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

صار ضحكة وهزءة، ألا ترى إلى قولهم: فلان أسد أو حمار أو عظيم الرماد أو جبان الكلب، وفلانة بعيدة مهوى القرط (١) وما لا ينحصر من الأمثلة ولو اعتبر اللفظ بمجرده لم يكن له معنى معقول فما ظنك بكلام اللَّه وكلام رسوله -صلى الله عليه وسلم-» (٢).

وقال الغزالي بعد تجويزه لتخصيص النص بما يستنبط منه من عله «فهذا نوع تخصيص بعلة مستنبطة من المخصوص وليس أمثاله ممنوعًا إذ العام يطلق ويراد به الخاص وهو غالب في عادة العرب واتباع المعنى أولى من الجمود على الصيغة» (٣).

وقال ابن القيم: «اللفظ الخاص قد ينتقل إلى معنى العموم بالإرادة والعام قد ينتقل إلى الخصوص بالإرادة، فإذا دعي إلى غداء فقال: واللَّه لا أتغدى، أو قيل له: نم فقال: واللَّه لا أنام أو: اشرب هذا الماء فقال: واللَّه لا أشرب، فهذه كلها ألفاظ عامّة نُقلت إلى معنى الخصوص بإرادة المتكلم التي يقطع السامع عند سماعها بأنه لم يرد النفي إلى آخر العمر» (٤).

ويمكن الاعتراض على هذا الاستدلال بأن نقل الخاص إلى العام والعام إلى الخاص بالعلة، وإن أمكن أن يكون تصرفا لغويًا، إلا أنه ليس على إطلاقه كذلك، بل لا يكون هذا التصرف لغويًا إلا حيث كانت العلة قاطعة أو ظاهرة ظهورًا قويًا كما في قوله تعالى: {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا} [الإسراء: ٢٣] إذ لا يقتصرُ النهي على التأفف وإنما يعم كل ما يؤدي إلى


(١) القرط: ما يعلق بالأذن (الحلق) وبعيدة مهوى القرط كناية عن طول العنق. انظر: المعجم الوسيط، ج ٢، ص ٧٥٥.
(٢) الشاطبي، الموافقات، ج ٣، ص ١٤٧.
(٣) الغزالي، شفاء الغليل، ص ٨٧.
(٤) ابن القيم، إعلام الموقعين، ج ١، ص ٢١٩.

<<  <   >  >>