للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال الآمدي: «ومن جملة التأويلات البعيدة ما يقوله أصحاب أبي حنيفة في قوله -صلى الله عليه وسلم-: "في أربعين شاة شاة" (١) من أن المراد به مقدار قيمة الشاة، وذلك لأن قوله "في أربعين شاة شاة" قوي الظهور في وجوب الشاة عينًا، حيث إنه خصصها بالذكر … ولا يخفى أنه يلزم من تأويل ذلك بالحمل على وجوب مقدار قيمة الشاة بناء على أن المقصود إنما هو دفع حاجات الفقراء وسدّ خلاّتهم جواز دفع القيمة، وفيه رفع الحكم وهو وجوب الشاة بما استُنبط منه من العلة وهي دفع حاجات الفقراء واستنباط العلة من الحكم إذا كانت موجبة لرفعه كانت باطلة» (٢).

دفاع أصوليي الحنفية عن اجتهاد إمامهم:

وقد حاول الحنفية الدفاع عن مذهب إمامهم في هذه المسألة لا سيما أنهم يرون - في أغلبهم - عدم جواز أن تعود العلة على النص بالتأثير والتغيير فضلًا عن أن تعود عليه بالإبطال.

فتتابع أصوليّوهم (٣) على إيراد جواب وضَّحه صدر الشريعة بقوله: «إنما كان التعليل في دفع القيم تغييرًا للنص إذا كان الأصل وهو الشاة مثلًا واجبًا للفقير لعينه، وليس كذلك فإن الزكاة عبادة محضة لا حقَّ للعباد فيها وإنما هي حق اللَّه تعالى، لكن سقط حقه في صورة ذلك الواجب بإذنه بدلالة النّص؛ لأنّه تعالى وعد أرزاق الفقراء بقوله: {إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} [هود: ٦] ثم أوجب على الأغنياء مالًا مسمًّى ثم أمر بأداء تلك المواعيد وهي الأرزاق


(١) سبق تخريجه في المبحث الأول من هذا الفصل.
(٢) الآمدي، الإحكام، ج ٣، ص ٧٩.
(٣) انظر: البزدوي، أصول البزدوي، ج ٣، ص ٣٣٥، وابن الهمام، التحرير، ج ١، ص ١٥٥، والأنصاري، فواتح الرحموت، ج ٢، ص ٢٣.

<<  <   >  >>