للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعليه فقد وسّع أبو حنيفة حكم النص بالتعليل أو - بعبارة أخرى - علّل النص بحيث عاد التعليل على حكم هذا النص بالتعميم، وليس في ذلك إبطال لذات النص وإنما لمفهومه المخالف المستفاد من تخصيص الشاة بالذكر، وهو مفهوم ضعيف لأنه مفهوم لقب (١)، ومثل هذا يحصل في كل قياس ولا قائل بعدم جوازه، قال الزركشي: «اعلم أنه يجوز أن يستنبط من النص معنى يعممه قطعًا كاستنباط ما يشوش الفكر من قوله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يقضي القاضي وهو غضبان" (٢) وكاستنباط الاستنجاء بالجامد القالع من الأمر بالأحجار، وهو غالب الأقيسة» (٣).

وقد أشار إلى ذلك - أعني كون اجتهاد أبي حنيفة من قبيل توسيع حكم النص لا من قبيل إبطال النص - الغزاليُّ، رحمه اللَّه، فقال: «قال بعض الأصوليين: كل تأويل يرفع النص أو شيئًا منه فهو باطل، ومثاله تأويل أبي حنيفة في مسألة الإبدال حيث قال عليه الصلاة والسلام: "في أربعين شاة شاة" (٤) فقال أبو حنيفة: الشاة غير واجبة وإنما الواجب مقدار قيمتها من أي مال كان قال: فهذا باطل لأنّ اللفظ نصٌّ في وجوب شاة، وهذا رفع وجوب الشاة فيكون رفعًا للنص … وهذا غير مرضي عندنا فإن وجوب الشاة إنما يسقط بتجويز الترك مطلقا، فأما إذا لم يجز تركها إلا ببدل يقوم مقامها فلا تخرج الشاة عن كونها واجبة فإن من أدّى خصلة من خصال الكفارة المخيَّر فيها فقد أدى واجبها وإن كان الوجوب يتأدّى بخصلة أخرى، فهذا توسيعٌ للوجوب واللفظ نصُّ في أصل الوجوب لا في تعيينه وتصنيفه، ولعلَّه ظاهرٌ في


(١) وهو عند الأكثرين ليس بحجة انظر: الشوكاني، إرشاد الفحول، ص ٣٠٨.
(٢) سبق تخريجه في المبحث الأول من هذا الفصل.
(٣) الزركشي، البحر المحيط، ج ٣، ٣٧٧.
(٤) سبق تخريجه في المبحث الأول من هذا الفصل.

<<  <   >  >>