وحاصل ما سَبق أن النص "في أربعين شاة شاة" ذكر إجزاء الشاة وسكت عن إجزاء القيمة، فقاس أبو حنيفة قيمة الشاة على الشاة في حصول الإجزاء بها، والعلة الجامعة هي حصول سدّ حاجة الفقير في كلّ من دفع الشاة أو قيمتها، فلم يخالف أبو حنيفة النص، وإنما قاس عليه ووسّع منه، وهذا المسلك في الاجتهاد جائز عند القائسين بلا خلاف.
اعتراض الزركشي على هذا التقرير:
إلا أن الزركشي، رحمه اللَّه، لم يعجبه القول بأن اجتهاد أبي حنيفة في دفع القيم لا يتضمن إبطال النص بالتعليل، وإنما هو من باب توسيع حكم الوجوب فأورد عنه ثلاثة أجوبة.
قال: و «نازع فيه -[أي في التمثيل لإبطال النص بالعلة باجتهاد أبي حنيفة في دفع القيم] الغزاليُّ من جهة أن من أجاز القيمة فهو مستنبط معنى مُعمِّم لا مبطل لأنه لا يمنع إجزاء الشاة» قال: «وفيه ثلاثة أجوبة:
أحدها: أن استنباط القيمة ألغى تعلّق الزكاة بالعين ابتداءً الذي عليه الدليل، وهذا معنى الإبطال أي إبطال التعلق.
الثاني: أنه ألغى تعيينها من بنت مخاض أو بنت اللبون أو حقّة أو جذعة (١) وصيّر الواجب جائزًا، لأنه إن كانت القيمة هي الواجب لم تكن الشاة واجبة ولا يلزم وجوبُها ولا قائل به.
(١) هذه أسماء لأسنان الإبل المختلفة فبنت المخاض لها سنة ودخلت في الثانية سميت به لأن أمها بعد سنة من ولادتها آن لها أن تحمل مرة أخرى وبنت اللبون لها سنتان ودخلت في الثالثة وسميت به لأن أمها آن لها أن تلد فتصير لبونًا والحقة لها ثلاث سنوات وطفقت في الرابعة وسميت به لأنها استحقت أن تحمل ويركب عليها، والجذعة لها أربع سنوات وطفقت في الخامسة، سميت به لأنها أجذعت - أسقطت - مقدم أسنانها انظر: الشربيني، مغني المحتاج، ج ١، ص ٣٧٠.