للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الثالث: يُقال: إن أجزأت الشاة لكن من حيث لم يُخصّ الإجزاء بها فبطل لفظ "في أربعين شاة شاة" وليس القيمة أعمّ من الشاة» (١).

وهذه الأجوبة التي أوردها الزركشي أجوبة ضعيفة وبيان ذلك بما يلي:

أما قوله: بأن معنى الإبطال هو إبطال التعلق فالجواب عليه هو بأن مقصود الأصوليين بقولهم: لا يجوز استنباط معنى من النص يعود عليه بالإبطال هو إبطال الدلالة القاطعة للنص التي يتوقف على وجودها استنباط علة النص، وهذا القصد متعيِّن حتى يصح أن الفرع - في مثل هذه الحالة - عاد على أصله بالإبطال كما سبق توضيحه في المبحث السابق، وليس المقصود إبطال التعلّق كما هو المدعى بدليل أن كل قياس يُجرى على حكم من الأحكام لا بدّ أن يتضمن إبطال تعلق الحكم بالمقيس عليه، فمثلًا قياس كل جامد قالع على الأحجار المنصوص عليها في قوله -صلى الله عليه وسلم- "وليستنج بثلاثة أحجار" (٢) أبطل تعلّق حكم الاستنجاء بالأحجار فقط ليصبح هذا الحكم - بعد التعليل - عامًّا في كل قالع مزيل للنجاسة إذا كان يتأدّى به الغرض، وكذلك قياس أبي حنيفة في دفع القيم أبطل تعلّق الإجزاء بالشاة وحدها فقط ليعمّ كل ما يساوي قيمتها.

وأما قوله: بأن اجتهاد أبي حنيفة بدفع القيم ألغى تعيين نوع الشاة أو الناقة من بنت مخاض أو بنت لبون وما إلى ذلك، فالجواب عليه: هو أن ذكر هذه الأنواع إنما هو بيان لمعيار الواجب، وعليه تختلف القيمة بين نوع وآخر، وهذا يدل على عدم إلغاء أبي حنيفة هذه الأنواع؛ لأنه أوجب في كل نوع ما يساوي قيمته لا مطلق القيمة، ثم إن الشافعي، رحمه اللَّه، أجاز إلغاء تعيين


(١) الزركشي، البحر المحيط، ج ٥، ص ١٥٣.
(٢) سبق تخريجه في أوائل المبحث الأول من هذا الفصل.

<<  <   >  >>