للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مثل هذه الأنواع وذلك في حالة ما إذا أراد المصدِّق إعطاء نوع أفضل ممّا وجب عليه كأن يعطي على خمس من الإبل بعيرًا بدلًا من الشاة (١) وهكذا، بل أجاز الشافعية دفع القيمة بالدراهم في بعض الحالات كأن تكون الإبل أو الشياه كلها مراضًا، أو لا يوجد السنّ المطلوب من بينها، وهذه الاجتهادات كلها تتضمن إلغاء تعيين النوع المنصوص عليه في الحديث، فَلِم لم يُقل في هذه الاجتهادات مثلُ ما قيل في اجتهاد أبي حنيفة رحمه اللَّه؟!.

وأما قوله: بأن الإجزاء لم يُخصَّ بالشاة بعد التعليل، فهذا هو شأن القياس كلِّه يبطل اختصاص الحكم بمحل واحد بل يعديه إلى جميع محال تحقق العلة كما سبق بيانه، قال ابن الهُمام «وليس التعليل حيث كان إلا لتوسعة المحل» (٢).

وأما قوله بأن القيمة ليست أعم من الشاة فهذا سواءٌ أكان صحيحًا أم خاطئًا فإنه لا يضير اجتهاد أبي حنيفة، إذ إنّ كون القيمة أعم من الشاة أو الشاة أعم من القيمة لا يؤثر في قياس إحداهما على الأخرى، إذ لم يشترط أحد من الأصوليين لصحة القياس أن يكون المقيس أعم من المقيس عليه أو العكس.

فإذا تقرر ما سبق يتبين بجلاء أن اجتهاد أبي حنيفة، رحمه اللَّه، بجواز إخراج القيم في الزكوات ليس هو من باب إبطال العلة للنص كما هو مدّعى كثير من الأصوليين فلا يجوز ردّ هذا الاجتهاد بالادعاء بأنه يستلزم إبطال الفرع لأصله.

إلا أنه - ومع التسليم بأن المسألة محل اجتهاد - يمكن مناقشة اجتهاد أبي حنيفة هذا من باب آخر، وذلك بالقدح في صحة العلة التي جمع من خلالها بين


(١) انظر: الشربيني، مغني المحتاج، ج ١، ص ٣٧٠، ٣٧٢.
(٢) ابن الهمام، شرح فتح القدير، ج ٢، ص ١٩٢.

<<  <   >  >>