للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بِالْوِلَايَةِ، وَأَمْضَى الْقَاضِي الْحُكْمَ بِفَتْوَاهُ وَأَشْهَدَ عَلَيْهِ وَانْصَرَفُوا، فَلَمْ يَزَلِ ابْنُ لُبَابَةَ يَتَقَلَّدُ خُطَّةَ الْوَثَائِقِ وَالشُّورَى إِلَى أَنْ مَاتَ سَنَةَ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ (١).

قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: ذَاكَرْتُ بَعْضَ مَشَايِخِنَا مَرَّةً بِهَذَا الْخَبَرِ، فَقَالَ: يَنْبَغِي أَنْ يُضَافَ هَذَا الْخَبَرُ الَّذِي حَلَّ سِجِلَّ السُّخْطَةِ إِلَى سِجِلِّ السُّخْطَةِ، فَهُوَ أَوْلَى وَأَشَدُّ فِي السُّخْطَةِ مِمَّا تَضَمَّنَهُ ـ أَوْ كَمَا قَالَ (٢) ـ.

فَتَأَمَّلُوا كيف اتباع الهوى (وإلى أين) (٣) يَنْتَهِيَ بِصَاحِبِهِ.

فَشَأْنُ مِثْلِ هَذَا لَا يَحُلُّ أَصْلًا مِنْ وَجْهَيْنِ:

/أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَمْ (يَتَحَقَّقِ) (٤) الْمَذْهَبُ الَّذِي حَكَمَ بِهِ، لِأَنَّ أَهْلَ الْعِرَاقِ لَا يُبْطِلُونَ الْإِحْبَاسَ هَكَذَا عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَمَنْ حكى عنهم ذلك، فإما على غير تثبت، وَإِمَّا أَنَّهُ كَانَ قَوْلًا لَهُمْ رَجَعُوا عَنْهُ، بَلْ مَذْهَبُهُمْ يَقْرُبُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ حَسْبَمَا هو مذكور في كتب الحنفية (٥).

والثاني: أَنَّهُ إِنْ سَلَّمَنَا صِحَّتَهُ فَلَا يَصِحُّ لِلْحَاكِمِ أن (يرجِّح) (٦) في حكمه (أحد) (٧) القولين (بالصحبة أو الإمارة) (٨) أو قضاء الحاجة، وإنما التَّرْجِيحُ بِالْوُجُوهِ الْمُعْتَبَرَةِ شَرْعًا، وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ، فَكُلُّ مَنِ اعْتَمَدَ عَلَى تَقْلِيدِ قَوْلٍ غَيْرِ مُحَقَّقٍ، أَوْ رَجَّحَ بِغَيْرِ مَعْنَى مُعْتَبَرٍ، فَقَدْ خَلَعَ الرِّبْقَةَ، وَاسْتَنَدَ إِلَى غَيْرِ شَرْعٍ، عَافَانَا اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ بِفَضْلِهِ.

فَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ فِي الْفُتْيَا مِنْ جُمْلَةِ الْبِدَعِ الْمُحْدَثَاتِ في دين الله تعالى،


(١) في (ط) و (خ): "كتاب التاريخ أولاً بالأرقام ثم كتابة".
(٢) انظر القصة بطولها في: ترتيب المدارك (٢ ٣٩٨ ـ ٤٠٢).
(٣) في (ط) و (خ): "وأولى أن".
(٤) في (غ) و (ر): "يحقق".
(٥) لمعرفة الخلاف في الأحباس وأقوال العلماء فيه، انظر: الحجة، لمحمد بن الحسن ٣ ٤٦ والهداية شرح البداية (٣ ١٣) والمبسوط (١٢ ٢٧) والأم (٤ ٥٨) ومواهب الجليل (٦ ١٨) والمغني (٦ ١٨٥ ـ ١٨٦) والمبدع لابن مفلح (٥ ٣١٢).
(٦) في (ط) و (خ) و (ت): "يرجع".
(٧) في (ط) و (خ) و (ت): "في أحد".
(٨) في (ط) و (خ) و (ت): "بالمحبة والإمارة".