للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَإِذًا كُلُّ مَنِ ابْتَدَعَ فِي دِينِ اللَّهِ فَهُوَ ذَلِيلٌ حَقِيرٌ بِسَبَبِ بِدْعَتِهِ، وَإِنْ ظَهَرَ لبادى الرأي عزه (١) وجبريته، فَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ أَذِلَّاءُ.

وَأَيْضًا فَإِنَّ الذِّلَّةَ الحاضرة في الدنيا (٢) مَوْجُودَةٌ فِي غَالِبِ الْأَحْوَالِ. أَلَا تَرَى أَحْوَالَ الْمُبْتَدِعَةِ فِي زَمَانِ التَّابِعِينَ، وَفِيمَا بَعْدَ ذَلِكَ؟ حَتَّى تَلَبَّسُوا (٣) بِالسَّلَاطِينِ (٤)، وَلَاذُوا بِأَهْلِ الدُّنْيَا (٥)، وَمَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى ذَلِكَ اسْتَخْفَى بِبِدْعَتِهِ، وَهَرَبَ بِهَا عَنْ مُخَالَطَةِ الْجُمْهُورِ، وَعَمِلَ بِأَعْمَالِهَا عَلَى التَّقِيَّةِ.

وَقَدْ (٦) أَخْبَرَ اللَّهُ أَنَّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ اتخذوا العجل أن (٧) سَيَنَالُهُمْ مَا وَعَدَهُمْ، فَأَنْجَزَ اللَّهُ وَعْدَهُ، فَقَالَ: {وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ} (٨).

وصدق (٩) ذلك الواقع باليهود حيثما حلوا، وفي (١٠) أي زمان (١١) كانوا، لا يزالوان أَذِلَّاءَ مَقْهُورِينَ {ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ}، وَمِنْ جُمْلَةِ الِاعْتِدَاءِ (١٢) اتِّخَاذُهُمُ الْعِجْلَ، هَذَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الذِّلَّةِ، وَأَمَّا (١٣) الْغَضَبُ فَمَضْمُونٌ بِصَادِقِ الْأَخْبَارِ، فَيُخَافُ أَنْ يَكُونَ الْمُبْتَدِعُ دَاخِلًا فِي حُكْمِ الغضب والله الواقي بفضله.

وَأَمَّا الْبُعْدُ عَنْ حَوْضِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلّم، فلحديث الموطأ: (فليذادن


(١) في (ط): "في عزة".
(٢) كتبت في (ط): "بين أيدينا".
(٣) كتب بإزائها في هامش (ت): "عله تشبثوا".
(٤) وذلك كاستعانة المعتزلة ببعض خلفاء بني العباس في مسألة خلق القرآن.
(٥) في (خ): "بأهلها بل بأهل الدنيا"، وهو خطأ أضرب عنه الناسخ.
(٦) غير واضحة في (ت).
(٧) في (م) ضرب على الحرف بخط مائل.
(٨) سورة البقرة: آية (٦١).
(٩) غير واضحة في (ت).
(١٠) المثبت كما في (غ)، وفي بقية النسخ: "في" بدون الواو.
(١١) في (خ): "في أي مكان وزمان"، وكذلك (ط)، ولعل كلمة "مكان" زيادة من الناسخ فقد كتبت فوق السطر.
(١٢) في (غ) و (ر): اعتدائهم.
(١٣) في (م) وأصل (خ): "ومن"، وفي هامش (خ) كما هو مثبت.