للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَعَنِ الكَلْبي (١): أَن يَعْقُوبَ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ: إِنِ اللهُ شَفَاني لأُحَرِّمَنَّ أَطيبَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ ـ أَو قال: أَحبَّ الطعام والشراب (٢) ـ إِليَّ. فَحَرَّمَ لُحُومَ الإِبل وأَلبانها.

قَالَ الْقَاضِي: الَّذِي نَحْسَبُ ـ وَاللَّهُ أَعلم ـ: أَن إِسرائيل حِينَ حرَّم على نفسه ما حرَّم من الحلال (٣) لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مَنْهِيًّا عَنْ ذَلِكَ، وأَنهم كَانُوا إِذا حرَّموا عَلَى أَنفسهم شيئاً من الحلال حُرِّم عليهم، كما كان الحالف إِذا حلف أَلاّ يَفْعَلَ شَيْئًا مِنَ الْحَلَالِ (٤) لَمْ يَجُزْ لَهُ (٥) أَن يفعله (٦)، حَتَّى نَزَلَتْ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ؛ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} (٧). وَالْحَالِفُ إِذا حَلَفَ عَلَى شيءٍ وَلَمْ يَقُلْ: "إِن شاءَ اللَّهُ" كَانَ بِالْخِيَارِ، إِن شاءَ فَعَلَ وكَفَّر، وإِن شاءَ لَمْ يَفْعَلْ. قَالَ: وَهَذِهِ الأَشياءُ (٨) وَمَا أَشبهها مِنَ الشَّرَائِعِ يَكُونُ فِيهَا النَّاسِخُ وَالْمَنْسُوخُ، فَكَانَ النَّاسِخُ فِي هَذَا قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ} (٩). قَالَ: فَلَمَّا وَقَعَ النهيُ لَمْ يَجُزْ للإِنسان أَن يَقُولَ: الطَّعَامُ عليَّ حَرَامٌ، وَمَا أَشبه ذَلِكَ مِنَ الْحَلَالِ. فإِن قَالَ إِنسان شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ كَانَ قَوْلُهُ بَاطِلًا، وإِن حَلَفَ عَلَى ذَلِكَ بِاللَّهِ كَانَ لَهُ أَن يَأْتيَ الذي هو خير، ويُكَفِّر عن يمينه.

والمسألة (١٠) الرَّابِعَةُ (١١): أَن نَقُولَ: مِمَّا يُسْأَلُ عَنْهُ: قَوْلُهُ تعالى:


(١) أخرجه عبد الرزاق في "تفسيره" (١/ ١٢٦). والكلبي هو: محمد بن السائب، متهم بالكذب، ورمي بالرفض كما في "التقريب" (٥٩٣٨).
قال الطبري بعد أن ذكر الأقوال في تفسير الآية: "وأولى هذه الأقوال بالصواب: قول ابن عباس الذي رواه الأعمش، عن حبيب، عن سعيد، عنه: أن ذلك العروق ولحوم الإبل ... ". انظر: "تفسير الطبري" (٧/ ١٥).
(٢) في (خ): "أو الشراب".
(٣) في (خ): "على نفسه من الحلال ما حرم".
(٤) من قوله: "حرم عليهم" إلى هنا سقط من (خ).
(٥) في (خ): "لهم".
(٦) في (خ) و (م): "يفعلوه".
(٧) سورة التحريم: الآية (٢).
(٨) قوله: "الأشياء" سقط من (غ) و (ر).
(٩) سورة المائدة: الآية (٨٧).
(١٠) قوله: "والمسألة" من (خ) فقط.
(١١) في (ر) و (غ) و (م): "والرابعة".