للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رَسُولَ اللَّهِ! أَتيتك لتعلِّمني مِنْ غَرَائِبِ الْعِلْمِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (١) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا صَنَعْتَ فِي رأْس الْعِلْمِ؟ " قَالَ: وَمَا رأْس الْعِلْمِ؟ قَالَ: "هَلْ عَرَفْتَ الرَّبَّ؟ " قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: "فَمَا صَنَعْتَ فِي حَقِّهِ؟ " قَالَ: مَا شاءَ اللَّهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اذْهَبْ فأَحكم مَا هُنَالِكَ، ثُمَّ تَعَالَ أُعَلِّمْكَ مِنْ غَرَائِبِ الْعِلْمِ".

وَهَذَا المعنى هو مقتضى الحكمة: أَلاّ تعلَّم (٢) الْغَرَائِبُ إِلا بَعْدَ إِحكام الأُصول، وإِلا دَخَلَتِ الْفِتْنَةُ. وَقَدْ قَالُوا فِي الْعَالِمِ الرَّبَّانِيِّ: إِنه الَّذِي يُرَبِّي بِصِغَارِ الْعِلْمِ قَبْلَ كِبَارِهِ (٣).

وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ شَاهِدُهَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ مَشْهُورٌ. وَقَدْ تَرْجَمَ عَلَى ذَلِكَ الْبُخَارِيُّ (٤)، فَقَالَ: "بَابُ مَنْ خَصَّ بِالْعِلْمِ قَوْمًا دُونَ قَوْمٍ كَرَاهِيَةَ (٥) أَن لَا يَفْهَمُوا"، ثُمَّ أَسند (٦) عَنْ عليِّ بْنِ أَبي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنه قَالَ: "حَدِّثوا النَّاسَ بِمَا يَعْرِفُونَ، أَتُحبّون أَن يُكَذَّب اللَّهُ وَرَسُولُهُ؟ " (٧)، ثُمَّ ذَكَرَ (٨) حَدِيثَ مُعَاذٍ الَّذِي أَخبر بِهِ عِنْدَ مَوْتِهِ تأَثُّماً، وإِنما لَمْ يَذْكُرْهُ إِلا عِنْدَ مَوْتِهِ؛ لأَن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يأْذن لَهُ فِي ذَلِكَ لِمَا خَشِيَ مِنْ تَنْزِيلِهِ غَيْرَ منزلته، وعلّمه معاذاً لأنه من أَهله.


= (١/ ٦٩١)، كلاهما من طريق خالد بن أبي كريمة، عن عبد الله بن المسور: إن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلّم ... ، فذكره هكذا معضلاً؛ فإن عبد الله بن المسور بن عون الهاشمي إنما يروي عن التابعين، ومع ذلك فقد رماه جمع من أهل العلم بالكذب ووضع الحديث كما في "لسان الميزان" (٤/ ٣٥٨ ـ ٣٥٩).
(١) قوله: "رسول الله" ليس في (خ) و (م) و (ت).
(٢) في (خ) و (م): "لا تعلم"، وفي (ت): "فلا تعلم".
(٣) علق هذا القول البخاري في "صحيحه" (١/ ١٦٠) في كتاب العلم، باب العلم قبل القول والعمل.
(٤) في كتاب العلم من "صحيحه" (١/ ٢٢٥).
(٥) في (غ) و (ر): "كراهة".
(٦) برقم (١٢٧).
(٧) علق رشيد رضا هنا بقوله: حديث علي هذا أورده البخاري موقوفاً عليه. ورواه الديلمي في "مسند الفردوس" عنه مَرْفُوعًا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. و"يعرفون" في الحديث: ضدّ ينكرون، لا ضد يجهلون؛ أي: حدثوهم بما تصل عقولهم إلى فهمه دون ما يعزّ عليها فتعدّه منكراً ومحالاً، فهو بمعنى حديث ابن مسعود الذي يذكر بعده عن مسلم. اهـ.
(٨) برقم (١٢٨).