للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مَنْ جَعَلَ ثَوْبَهُ فِي الْمَسْجِدِ أَمامه فِي الصف (١).

فلنرجع (٢) إِلى مَا كُنَّا فِيهِ: فَاعْلَمُوا أَنه إِن ذَهَبَ مجتهدٌ إِلى عَدَمِ سَدِّ الذَّرِيعة فِي غَيْرِ مَحلِّ النَّصِّ مِمَّا يَتَضَمَّنُهُ (٣) هَذَا الْبَابُ، فَلَا شَكَّ أَن الْعَمَلَ الْوَاقِعَ عِنْدَهُ مَشْرُوعٌ، وَيَكُونُ لِصَاحِبِهِ أَجْره. وَمَنْ ذَهَبَ إِلى سَدِّها ـ وَيَظْهَرُ (٤) ذَلِكَ مِنْ كَثِيرٍ مِنَ السَّلَفِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَغَيْرِهِمْ ـ، فَلَا شَكَّ أَنَّ ذَلِكَ الْعَمَلَ مَمْنُوعٌ، وَمَنْعُهُ يَقْتَضِي بِظَاهِرِهِ أَنه مَلُوم عليه، وموجب للذَّم، إِلا أَن يذهب ذاهب (٥) إِلى أَن النَّهْيَ فِيهِ رَاجِعٌ إِلى أَمر مُجَاوِرٍ، فَهُوَ مَحَلُّ نَظَرٍ وَاشْتِبَاهٍ رُبَّمَا يُتَوَهَّم فِيهِ انْفِكَاكُ الأَمرين، بِحَيْثُ يَصِحُّ أَن يَكُونَ الْعَمَلُ مأْموراً بِهِ مِنْ جِهَةِ نَفْسِهِ، وَمَنْهِيًّا عَنْهُ مِنْ جِهَةِ مَآلِهِ. وَلَنَا فِيهِ مَسْلَكَانِ:

أَحدهما: التمسُّك بمجرَّد النَّهْيِ فِي أَصل المسأَلة؛ كقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَقُولُوا رَاعِنَا} (٦)، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلاَ تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} (٧). وفي الحديث: أَنه عليه الصلاة والسلام نهى أَن يُجْمَعَ بين المُتَفَرِّق (٨)، ويُفَرَّقَ بين (٩)


=عبد الملك بن صالح أمير المدينة، فجلس ساعة، ثم دعا بالطعام والوضوء، فقال: ابدأوا بأبي عبد الله، فقال مالك: إن أبا عبد الله ـ يعني نفسه ـ لا يغسل يده، فقال: لِمَ؟! قال: ليس هو الذي أدركت عليه أهل العلم ببلدنا، إنما هو من زيّ الأعاجم، وقد نهى عمر عن أمر الأعاجم، وكان عمر إذا أكل مسح يده بباطن قدمه. فقال له عبد الملك: أأترك يا أبا عبد الله؟! فقال: إي والله! فما عاد إلى ذلك ابن صالح. قال مالك: ولا آمر الرجل أن لا يغسل يده، ولكن إذا جعل ذلك كأنه واجب عليه، فلا! أميتوا سنة العجم، وأحيوا سنن العرب، أما سمعت قول عمر رحمه الله: تمعددوا، واخشوشنوا، وامشوا حفاة، وإياكم وزيّ الأعاجم؟!.
(١) وقصته في ذلك مع ابن مهدي سيذكرها المؤلف بتمامها (ص ٤٠٨) فراجعها هناك.
(٢) في (خ): "ولنرجع".
(٣) في (غ) و (ر): "ينتضمه".
(٤) في (م): "وتظهر".
(٥) قوله: "ذاهب" سقط من (خ) و (م) و (ت).
(٦) سورة البقرة: الآية (١٠٤).
(٧) سورة الأنعام: الآية (١٠٨).
(٨) في (ر) و (غ): "المفترق".
(٩) قوله: "بين" ليس في (خ) و (م) و (ت).