للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المُجْتَمِع خشية الصدقة (١). ونهى عن البيع والسَّلَف (٢)، وَعَلَّلَهُ العلماءُ بِالرِّبَا المُتَذَرَّع إِليه فِي ضِمْنِ السَّلَفِ. وَنَهَى عَنِ الخَلْوة بالأَجنبيات، وَعَنْ سَفَرِ المرأَة مَعَ غَيْرِ ذِي مَحْرَمٍ (٣)، وأَمر النساءَ بِالِاحْتِجَابِ عَنْ أَبصار الرِّجَالِ (٤)، وَالرِّجَالَ بغَضّ الأَبصار (٥)، إِلى أَشباه ذَلِكَ مِمَّا عَلَّلُوا الأَمر فِيهِ وَالنَّهْيَ بالتذرُّع لَا بِغَيْرِهِ.

وَالنَّهْيُ أَصله أَن يَقَعَ عَلَى المنهيِّ عَنْهُ وإِن كَانَ مُعَلَّلاً، وصَرْفُهُ إِلى أَمر مُجَاوِرٍ (٦) خِلَافُ أَصل الدَّلِيلِ، فَلَا يُعْدَلُ عَنِ الأَصل إِلا بِدَلِيلٍ. فكلُّ عِبَادَةٍ نُهِيَ عَنْهَا فَلَيْسَتْ بِعِبَادَةٍ؛ إِذ لَوْ كَانَتْ عِبَادَةً لَمْ يُنْهَ عَنْهَا، فَالْعَامِلُ بِهَا عَامِلٌ بِغَيْرِ مَشْرُوعٍ، فَإِذَا اعتَقد فِيهَا التعبُّد مَعَ هَذَا النَّهْيِ كَانَ مُبْتَدِعًا بِهَا.

لَا يُقَالُ: إِن نَفْسَ التَّعْلِيلِ يُشْعِر بالمُجاورة، وإِن الَّذِي نُهِيَ عَنْهُ غَيْرُ الَّذِي أُمر بِهِ، وانفكاكها مُتَصَوَّر؛ لأَنا نَقُولُ: قَدْ تقرَّر أَن المجاوِر إِذا صَارَ كَالْوَصْفِ اللَّازِمِ انْتَهَضَ النَّهْيُ عَنِ الْجُمْلَةِ، لَا عَنْ نَفْسِ الْوَصْفِ بِانْفِرَادِهِ، وَهُوَ مُبَيَّن في القسم الثاني.


(١) أخرجه البخاري (١٤٥٠) من حديث أنس رضي الله عنه.
(٢) علق رشيد رضا على هذا الموضع بقوله: لعل الأصل: "عن بيع السلف".اهـ.
والحديث أخرجه الطيالسي (٢٢٥٧)، وابن أبي شيبة (٤/ ٤٥١)، وأحمد (٢/ ١٧٤ ـ ١٧٥، و١٧٨ ـ ١٧٩)، وأبو داود (٣٥٠٤)، والترمذي (١٢٣٤)، والنسائي (٧/ ٢٨٨)، والحاكم (٢/ ١٧)، والبيهقي (٥/ ٣٤٠) وغيرهم من طريق عمرو بن شعيب؛ قال: حدثني أبي، عن أبيه، حتى ذكر عبد الله بن عمرو؛ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم: "لا يحلّ سلف وبيع ... " الحديث.
قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
وصححه الحاكم، وابن عبد البر. كما في "التمهيد" (٢٤/ ٣٨٤).
(٣) أخرجه البخاري (٣٠٠٦)، ومسلم (١٣٤١)، كلاهما مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا؛ قال: سمعت النبي صلّى الله عليه وسلّم يخطب؛ يقول: "لا يخلونّ رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم، ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم".
(٤) لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَِزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلاَبِيبِهِنَّ} الآية ولقوله صلّى الله عليه وسلّم لسودة: "واحتجبي منه". أخرجه البخاري (٢٠٥٣)، ومسلم (١٤٥٧).
(٥) لقوله تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} الآية.
(٦) في (م): "مجاوز".