للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قَالَ ابْنُ وَضَّاحٍ: وَكَانَ مَالِكٌ يَكْرَهُ التَّثْوِيبَ. قال (١): وإِنما أُحدث هذا بالعراق.

قيل لابن وَضَّاحٍ: فَهَلْ كَانَ يُعمل بِهِ بِمَكَّةَ (٢)، أَو الْمَدِينَةِ، أَو مِصْرَ، أَو غَيْرِهَا مِنَ الأَمصار؟ فَقَالَ: مَا سَمِعْتُهُ إِلا عِنْدَ بَعْضِ الْكُوفِيِّينَ والإِباضيين (٣).

فتأَمّل كَيْفَ مَنَعَ مَالِكٌ مِنْ إِحداث أَمرٍ يَخِفُّ شأْنه عند الناظر فيه ببادي الرأْي، وَجَعْلِهِ أَمراً مُحْدَثًا، وَقَدْ قَالَ فِي التَّثْوِيبِ: إِنه ضَلَالٌ (٤). وَهُوَ بَيِّنٌ؛ لأَن كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَلَمْ يُسَامِحْ المؤذن (٥) فِي التَّنَحْنُحِ، وَلَا فِي ضَرْبِ الأَبواب؛ لأَن ذَلِكَ جَدِيرٌ بأَن يُتَّخَذَ سُنَّةً، كَمَا مَنَعَ مِنْ وَضْعِ الرِّدَاءِ (٦) عبدَ الرحمن بنَ مهدي خوفاً (٧) أَن يَكُونَ حَدَثًا أَحدثه.

وَقَدْ أَحدث بِالْمَغْرِبِ المُتَسَمِّي (٨) بِالْمَهْدِيِّ (٩) تَثْوِيبًا عِنْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَهُوَ قَوْلُهُمْ: "أَصبح وَلِلَّهِ الْحَمْدُ"؛ إِشعاراً بأَن الْفَجْرَ قَدْ طَلَعَ، لإِلزام الطَّاعَةِ، وَلِحُضُورِ الْجَمَاعَةِ، وللْغُدوِّ (١٠) لكل (١١) ما يؤمرون به، فَمَحَضَهُ (١٢) هؤلاءِ المتأَخرون تَثْوِيبًا بِالصَّلَاةِ كالأَذان.

وَنَقَلَ أَيضاً إِلى أَهل الْمَغْرِبِ الْحِزْبَ الْمُحْدَثَ بالإِسكندرية، وَهُوَ الْمُعْتَادُ فِي جَوَامِعِ الأَندلس وَغَيْرِهَا، فَصَارَ ذَلِكَ كُلُّهُ سَنَةً فِي الْمَسَاجِدِ إِلى الْآنَ، فإِنا لله وإِنا إِليه راجعون!.


(١) أي: ابن وضاح.
(٢) في (ت): "في مكة".
(٣) إلى هنا انتهى كلام ابن وضاح من كتابه السابق عقب ذكره لحكاية مالك.
(٤) تقدم تخريجه صفحة (٣٨٣ و٣٩٤).
(٥) في (خ) و (م) و (ت): "للمؤذن".
(٦) في (خ) و (ت): "رداء".
(٧) في (ت) و (خ): "خوف".
(٨) في (ت): "المسمى".
(٩) هو: محمد بن عبد الله بن تومرت. انظر ترجمته مطوَّلة في "سير أعلام النبلاء" (١٩/ ٥٣٩)، وانظر طرفاً من أخباره وإحداثاته فيما ساقه المؤلف (ص٨٤ فما بعد).
(١٠) قوله: "وللغدو" في موضعه بياض في (ت).
(١١) في (ت): "ولكل"، ويبدو أنها واو "وللغدو".
(١٢) كذا في (ر) و (غ)، وفي (خ): "فيخصه"، وفي (م): "فبحصه"، وفي (ت) يشبه أن=