للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَوَقَعَ فِي الْمَجْمُوعَةِ (١): أَن مَنْ سَمِعَ التَّثْوِيبَ وَهُوَ (٢) فِي الْمَسْجِدِ خَرَجَ عَنْهُ، كَفِعْلِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا.

وَفِي المسأَلة كَلَامٌ، والمقصود (٣) مِنْهُ التَّثْوِيبُ الْمَكْرُوهُ الَّذِي قَالَ فِيهِ مَالِكٌ: إِنه ضَلَالٌ، وَالْكَلَامُ يَدُلُّ عَلَى التَّشْدِيدِ فِي الأُمور الْمُحْدَثَةِ أَن تَكُونَ فِي مَوَاضِعِ الْجَمَاعَةِ (٤)، أَو فِي الْمَوَاطِنِ الَّتِي تُقَامُ فِيهَا السُّنَنُ، ويُحَافَظُ فيها (٥) عَلَى الْمَشْرُوعَاتِ أَشد الْمُحَافَظَةِ، لأَنها إِذا أُقيمت هُنَالِكَ أَخذها النَّاسُ وَعَمِلُوا بِهَا، فَكَانَ وِزْرُ ذَلِكَ عَائِدًا عَلَى الْفَاعِلِ أَوَّلاً، فيَكْثُر (٦) وِزْرُهُ، ويَعْظُم خطر بدعته.

وَالشَّرْطُ الرَّابِعُ: أَن لَا يَسْتَصْغِرَهَا وَلَا يَسْتَحْقِرُهَا ـ وإِن فَرَضْنَاهَا صَغِيرَةً ـ، فإِن ذَلِكَ اسْتِهَانَةٌ بِهَا، وَالِاسْتِهَانَةُ بِالذَّنْبِ أَعظم مِنَ الذَّنْبِ، فَكَانَ ذَلِكَ سَبَبًا لِعِظَمِ مَا هُوَ صَغِيرٌ. وَذَلِكَ أَن الذَّنْبَ لَهُ نَظَرَانِ: نَظَرٌ (٧) مِنْ جِهَةِ رُتْبَتِهِ في الشرع (٨)، وَنَظَرٌ مِنْ جِهَةِ مُخَالَفَةِ الرَّبِّ الْعَظِيمُ بِهِ.

فأَما النَّظَرُ الأَول: فَمِنْ ذَلِكَ الْوَجْهِ يُعَدّ صَغِيرًا إِذا (٩) فَهِمْنَا مِنَ الشَّرْعِ أَنه صَغِيرٌ، لأَنا نضعه حيث وضعه الشرع.

وأَما النظر (١٠) الْآخَرُ: فَهُوَ رَاجِعٌ إِلى اعْتِقَادِنَا فِي الْعَمَلِ به؛ حيث نَسْتَحْقِرُ مواجهة (١١) الرَّبِّ سُبْحَانَهُ بِالْمُخَالَفَةِ، وَالَّذِي كَانَ يَجِبُ فِي حَقِّنَا أَن نَسْتَعْظِمَ ذَلِكَ جِدًّا، إِذ لَا فَرْقَ فِي التَّحْقِيقِ بَيْنَ الْمُوَاجَهَتَيْنِ: الْمُوَاجَهَةُ بِالْكَبِيرَةِ، والمواجهة بالصغيرة.


(١) انظر: "البيان والتحصيل" (١/ ٤٣٥ و٤٣٦).
(٢) قوله: "وهو" ليس في (ر) و (غ).
(٣) في (خ): "المقصود".
(٤) في (ت): أن لا تكون في مواضع الجماعات".
(٥) في (خ) و (ت) و (م): "والمحافظة" بدل "ويحافظ فيها".
(٦) في (ر) و (غ): "فيكبر".
(٧) قوله: "نظر" ليس في (خ).
(٨) في (خ) و (م): "الشرط". بدل "الشرع"، وفي هامش (م) كتب: "لعله الشرع".
(٩) في (ت) و (م): "إذ".
(١٠) قوله: "النظر" ليس في (خ) و (ت) و (م).
(١١) في (م): "نستحر مواجهة" وفي (خ) و (ت): "نستحرم جهة".