للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالْمَعْصِيَةُ مِنْ حَيْثُ هِيَ مَعْصِيَةٌ لَا يُفَارِقُهَا (١) النَّظَران فِي الْوَاقِعِ أَصلاً؛ لأَن تصوُّرَها (٢) مَوْقُوفٌ عَلَيْهِمَا (٣)، فَالِاسْتِعْظَامُ لِوُقُوعِهَا مَعَ كَوْنِهَا يُعْتَقَدُ فِيهَا أَنها صَغِيرَةٌ لَا يَتَنَافَيَانِ، لأَنهما اعْتِبَارَانِ مِنْ جهتين: فالعاصي وإِن تعمد (٤) الْمَعْصِيَةَ لَمْ يَقْصِدْ بِتَعَمُّدِهِ الِاسْتِهَانَةَ بِالْجَانِبِ العَلِيِّ الرَّبَّانِيِّ، وإِنما قَصَدَ اتِّبَاعِ شَهْوَتِهِ مَثَلًا فِيمَا جَعَلَهُ الشَّارِعُ صَغِيرًا أَو كَبِيرًا، فَيَقَعُ الإِثم عَلَى حَسَبِهِ، كَمَا أَن الْبِدْعَةَ لَمْ يَقْصِدْ بِهَا صَاحِبُهَا مُنَازَعَةَ الشَّارِعِ وَلَا التَّهَاوُنَ بِالشَّرْعِ، وإِنما قَصَدَ الْجَرْيَ عَلَى مُقْتَضَاهُ، لَكِنْ بتأْويلٍ زَادَهُ وَرَجَّحَهُ عَلَى غَيْرِهِ، بِخِلَافِ مَا إِذا تَهَاوَنَ بِصِغَرِهَا فِي الشَّرْعِ فإِنه إِنما تَهَاوَنَ بِمُخَالَفَةِ الْمَلِكِ الْحَقِّ، لأَن النَّهْيَ حَاصِلٌ، وَمُخَالَفَتُهُ حَاصِلَةٌ، وَالتَّهَاوُنُ بِهَا عَظِيمٌ، وَلِذَلِكَ يُقَالُ: "لَا تَنْظُرْ إِلى صِغَرِ الْخَطِيئَةِ، وَانْظُرْ إِلى عَظَمَةِ من واجهته (٥) بها" (٦).


(١) في (غ): "لا يوافقها".
(٢) في (غ): "تصورهما".
(٣) في (خ) و (م): "عليها".
(٤) في (خ) و (ت) و (م): "يعمل" بدل "تعمد"، وعلق رشيد رضا قبلها بقوله: لعله سقط من هنا كلمة: "كان".اهـ.
(٥) في (خ): "أوجهته".
(٦) هذا نصُّ حديثٍ رُوي عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ وَلَا يصحُّ؛ وإنما المشهور أنه من قول بلال بن سعد.
فأما المرفوع: فقد جاء من حديث ابن عمر، وعمرو بن العاص، وأبي هريرة رضي الله عنهم.
أخرجها ابن الجوزي في "العلل المتناهية" (١٢٨٩ و١٢٩٠ و١٢٩١) من طريقهم، ثم قال: فهذا مشهور من كلام بلال بن سعد، وإنما رفعه إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الكذابون. فأما حديث ابن عمر: ففيه غالب بن عبيد الله، قال يحيى: ليس بثقة، وقال ابن حبان يروي المعضلات عن الثقات، لا يجوز الاحتجاج به. وأما حديث عمرو: ففيه محمد بن إسحاق العكاشي، وهو الذي تفرد به، وقد سبق ذكره في كتابنا هذا، وأنه كذاب، وقال الدارقطني: يضع الحديث. وأما حديث أبي هريرة: ففيه سليمان بن عمرو، وهو أبو داود النخعي، وقد سبق في كتابنا أن أحمد بن حنبل قال: هو كذاب، وقال مرّة: كان يضع الحديث، وكذلك قال يحيى: هو ممن يعرف بالكذب ووضع الحديث".
وأخرج العقيلي في "الضعفاء" (٣/ ٤٣١) حديث ابن عمر من طريق غالب بن عبيد الله، ثم قال: "ليس له أصل مسند، ولا يتابع عليه، ولا يعرف إلا به، وإنما=