[الشرط الثاني العقل]
قال: [والعقل].
العقل شرط فلا يصح النسك من المجنون.
وأما الصبي وإن كان لم يعقل كالذي ولد للحظة، أو كان دون سن التمييز، فإن حجه يصح عند جمهور العلماء، فقد رفعت امرأة إلى النبي عليه الصلاة والسلام صبياً وقالت: (ألهذا حج؟ قال: نعم.
ولك أجر) رواه مسلم في صحيحه.
فالصبي يصح حجه لكنه لا يجزئه عن حجة الإسلام، ويكون تطوعاً له، وهذه المسألة في الصبي غير المميز من المسائل التي يفارق الحج فيها غيره من العبادات، فالصلاة لا تصح من الصبي غير المميز، فإن ابن سنتين وابن ثلاث وابن أربع وابن خمس وابن ست لا تصح صلاتهم؛ لأن المميز هو من أكمل سبع سنين، فمن كان دون ذلك فإن عباداته لا تصح سوى الحج.
كما أن الحج -وهذا سيأتي- لا يبطل برفضه بخلاف سائر العبادات، أي: لو أن رجلاً رفض نيته في أثناء الحج قال: أنا أريد أن أرجع إلى بلدي ولا أريد أن أكمل الحج، فهذا الرفض لا يعتد به، فلا يبطل برفض نيته، أما سائر العبادات فإنها تبطل، فالذي يتوضأ إذا قطع نيته أثناء الوضوء بطل وضوءه، والذي يصلي إذا قطع نيته في أثناء الصلاة بطلت صلاته.
إذاً هذه من الفروق بين الحج وغيره، لقوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة:١٩٦].
إذاً الصبي ولو ولد للحظة يصح حجه لكن لا يجزئه ذلك عن حجة الإسلام، ولا يصح حجه إلا بإذن وليه؛ وذلك لأن الحج عبادة ذات عقد يلزم به المال لما فيه من هدي، وفدية على من أتى محظوراً ففيه مال، والصبي لا يتصرف بشيء من ماله إلا بإذن وليه، وعلى ذلك فلا يصح حجه إلا بإذن وليه.
ثم إن كان الطفل عاقلاً -يعني: مميزاً- أحرم عن نفسه، وإن كان غير مميز أحرم عنه وليه، ويجوز أن يحرم عنه أجنبي بإذن وليه، يجوز أن يحرم عنه أجنبي بإذن وليه.
ويفعل الصبي كل ما يقدر عليه كالوقوف بعرفة، وما لا يقدر عليه يفعله عنه وليه كالرمي.
وقد جاء في ابن ماجة -والحديث في سنده ضعف- أن جابراً رضي الله عنه قال: (حججنا مع النبي عليه الصلاة والسلام ومعنا النساء والصبيان فلبينا عن الصبيان ورمينا عنهم) وعليه العمل عند أهل العلم كما ذكر هذا ابن المنذر وحكاه من فعل ابن عمر رضي الله تعالى عنه.
وإذا حمله وليه في الطواف فهل يجزئ هذا الطواف عن المحمول فقط، أو يجزئ عن الحامل والمحمول؟ قولان لأهل العلم: المشهور في المذهب: أنه يجزئ عن المحمول فقط، فمن حمل صبياً أو شيخاً كبيراً أجزأ ذلك عن هذا المحمول فقط.
والقول الثاني في مذهب أحمد واختاره الشيخ عبد الرحمن بن سعدي واستحسنه الموفق وهو مذهب الأحناف: أنه يجزئ عنهما معاً مع النية، فمن حمل صبياً ونوى في نفسه الطواف وقد نوى لهذا الصبي الحج بأن أحرم عنه إن كان غير مميز، وإن كان مميزاً قد أحرم عن نفسه فإن هذا يجزئ عنهما معاً، وهذا هو الراجح؛ لأن كليهما قد طافا بالبيت ونوى، فكلاهما قد حصل منه طواف وحصلت منه نية مجزئة.