[الخامس قتل الصيد البري]
[الخامس: قتل صيد البر الوحشي المأكول، والدلالة عليه، والإعانة على قتله، وإفساد بيضه، وقتل الجراد والقمل، لا البراغيث، بل يسن قتل كل مؤذ].
هنا في إزالة الشعر وفي تقليم الأظافر، إذا صال عليه شيء من الشعر أو صال عليه شيء من الأظافر فأزاله فلا شيء عليه؛ لأنه مؤذ فلو نزلت شعرة مثلاً من حاجبه على عينه فآذته أو انكسر ظفره فآذاه فقصه فلا شيء عليه؛ لأن هذا من باب دفع الصائل.
وأما إذا أزاله لمصلحة نفسه لا لأنه آذاه كأن يكون هناك وسخ في أظافره أو أن يكون هناك في رأسه داء مثل القمل فأزال الشعر، فهذا لمصلحة نفسه فعليه الفدية؛ لأن الله قال: {وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ} [البقرة:١٩٦].
ومثل ذلك قتل الصيد، فلو قتل صيداً ليأكله لمجاعة فهذا لمصلحة نفسه فعليه الجزاء.
ولو صال عليه الصيد في خيمته كما لو أقبل عليه حمار وحشي وكاد أن يطأه فخاف على نفسه ورماه فليس عليه شيء.
إذاً: إذا صال عليه شيء فقتله إن كان صيداً أو أزاله إن كان شعراً أو ظفراً فلا شيء عليه، وأما إذا كان قد أزاله لمصلحة نفسه ولم يكن منه أذى وإنما الأذى من غيره، مثلما تحلق شعر رأسك لوجود قمل في شعرك فالأذى ليس من الشعر بل من القمل، فإذا أزل الشعر فعليه الفدية.
وعندما ينزل شيء من الشعر على عينيك وتبعده ويعود ويؤذيك فعندما تزيله فلا شيء عليه هنا؛ لأن المؤذي هو الشعر.
قوله: [الخامس: قتل صيد البر الوحشي المأكول].
هذا هو الخامس.
قال الله جل وعلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة:٩٥].
قوله: (لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم) الصيد هنا هو صيد البر؛ لأن الله جل وعلا قال: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} [المائدة:٩٦]، فصيد البحر جائز للمحرم.
وقال: (الوحشي) يعني: الذي هو في أصله وحشي، لكن لو كان في أصله أهلياً وليس وحشياً ثم إنه توحش، كما لو أن رجلاً ترك شيئاً من الغنم أو الإبل وأصبح في البر لا يعرف له مالك وأصبح متوحشاً فهذا إذا قتله لا يكون ذلك محرماً؛ لأن هذا ليس بوحشي في أصله، بل هذا أهلي، وقد يحتاج إليه ولا يمكنه أن يمسكه فيذبحه كالذي يكون في رءوس الجبال ولا يمكنهم أن يذبحوه فيرمونه رمياً، فهذا لا شيء فيه.
المقصود من ذلك هنا: أن هذا ليس بوحشي بل أهلي؛ والعبرة إنما هي بالأصل وإن كان قد توحش، فالإبل والبقر والغنم أهلية.
كذلك لو أن المتوحش أصبح أهلياً، كالذي يأخذ حمار وحش صغير ثم يربيه فهذا صيد؛ لأن أصله متوحش، فليس له أن يشتريه لو وجده في السوق وهو محرم؛ لأنه ينهى عن إمساك الصيد.
قوله: (المأكول) فإذا كان ليس بمأكول كما لو رمى ذئباً أو غيره فلا شيء عليه.
إذاً: ينهى عن قتل صيد البر الوحشي المأكول؛ لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة:٩٥].
ولا يجوز له أن يعين من يريد صيده سواء كان هذا الصياد حلالاً أو حراماً، ولا أن يشير إليه، ولذا قال النبي عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين: (هل منكم من أحد أمره أو أشار إليه بشيء؟)، ولما قال لهم كما في الصحيحين: (ناولوني السوط قالوا: والله لا نعينك عليه).
فينهى المحرم أن يناول من يريد الصيد سوطاً ولو كان محلاً، أو أن يدله فيقول: في المكان الفلاني صيد، أو أن يشير إليه يقول: هذا هو الصيد؛ ينهى عن ذلك كله.
قال: [وإفساد بيضه].
ينهى عن إفساد بيضه كبيض النعام؛ لأن البيض يئول أمره إلى أن يكون صيداً وعلى ذلك فينهى عن إفساد بيضه.
[وقتل الجراد]؛ لأن الجراد صيد بري فينهى عن قتل الجراد.
قال: [والقمل]، ينهى كذلك عن قتل القمل.
والقول الثاني في المسألة وهو رواية عن الإمام أحمد: أنه لا ينهى عن ذلك، وهذا هو الراجح؛ لأن القمل مؤذ فلم يكن هناك حرج في قتله.
قال: [لا البراغيث، بل يسن قتل كل مؤذ مطلقاً].
كل مؤذ يجوز للمحرم أن يقتله، ويدل على ذلك أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (خمس يقتلن في الحل والحرم: الحدأة والعقرب والغراب والفأرة والكلب العقور)، وفي رواية: (الحية)، فهذه مؤذيات فيقتلن في الحل والحرم، وليس على من قتل شيئاً منهن جزاء.
إذاً: الجزاء إنما يكون في قتل الصيد البري المأكول المتوحش، وأما ما سوى ذلك فننظر إن كان مؤذياً جاز قتله، وإن كان غير مؤذ لم يجز قتله، وإن قتله فلا شيء عليه.
إذاً إن كان صيداً برياً مأكولاً متوحشاً فإنه لا يجوز قتله للمحرم، ولا تجوز الإشارة إليه، ولا أن يناول من