[حكم صيام يوم الشك]
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [يجب صوم رمضان برؤية هلاله على جميع الناس، وعلى من حال دونهم ودون مطلعه غيم أو قتر ليلة الثلاثين من شعبان احتياطاً لنية رمضان].
هؤلاء أهل البلد في ليلة الثلاثين من شعبان، كان بينهم وبين رؤية الهلال غيم أو قتر، فقد مضى اليوم التاسع والعشرون من شعبان ونحن الآن في ليلة الثلاثين من شعبان، لكن الليلة ليلة غيم وقتر، فلم يتمكن الناس من رؤية الهلال والحالة هذه، فما الحكم؟ قال الحنابلة: يصبحون صائمين احتياطاً، إذاً: كم يكون شهر شعبان؟ يكون تسعة وعشرين يوماً.
واستدلوا بقول النبي عليه الصلاة والسلام في الصحيحين: (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فاقدروا له) قالوا: (اقدروا له): يعني: ضيّقوا عليه، أي: ضيقوا عليه بأن يكون تسعة وعشرين يوماً.
وقال الجمهور: بل لا يجب صيام هذا اليوم، وأما قوله عليه الصلاة والسلام: (فاقدروا له) فقالوا: معناه: احسبوا ثلاثين يوماً، فالتقدير هنا من الحساب، قالوا: ويدل على ذلك رواية البخاري (فأكملوا العدة ثلاثين)، وفي رواية مسلم (فاقدروا له ثلاثين يوماً) وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة (فإن غم عليكم فاقدروا له ثلاثين) قالوا: وعلى ذلك فقوله عليه الصلاة والسلام: (فاقدروا له) أي احسبوا وعدوا ثلاثين يوماً واستدل الحنابلة -أيضاً- بأن الراوي -وهو ابن عمر - كان رضي الله عنه -كما في سنن أبي داود - إذا حال دون رؤيته غيم أو قتر أصبح صائماً، ورُدّ هذا بأن العبرة بروايته لا برأيه، فهذا رأي له وقد فعله احتياطاً.
وقد جاء في سنن أبي داود أن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يتحفظ من شعبان ما لا يتحفظ من غيره) فكان يتحرى الهلال، فإذا رأى هلال رمضان صام، وإن لم يره أصبح مفطراً، وعلى ذلك فالصحيح ما ذهب إليه الجمهور.
وقد ذهب طائفة من العلماء إلى أن هذا اليوم يُنهى عن صيامه، وهو اختيار أبي الخطاب وابن عقيل من الحنابلة، واختاره طائفة من أئمة الدعوة كالشيخ محمد بن عبد الوهاب، والشيخ محمد بن إبراهيم وغيرهم، ويدل على ذلك قول عمار رضي الله عنه -كما عند الأربعة-: (من صام اليوم الذي يُشك فيه فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم).
وهذا القول هو الراجح، وهو أنه يُنهى عن ذلك، والأصح أنه نهي تحريم، وأن اليوم الذي يُشك فيه لا يجوز صيامه، والوجوب الذي هو مذهب الحنابلة -كما تقدم- لا تتوجه إضافته إلى الإمام أحمد كما قال ذلك صاحب الفروع، وكذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، فليس في نصوصه ما يدل على الوجوب.
إذاً: الراجح أن يوم الشك يُنهى عن صيامه، ويوم الشك هو يوم الثلاثين من شعبان، إذا كانت ليلته ليلة غيم وقتر، فلو كانت الليلة ليلة صحو ولم يروا الهلال فإنهم يفطرون بلا خلاف.
إذاً: إذا كانت ليلة الثلاثين من شعبان ليلة صحو ولم يُر الهلال فإنهم يفطرون، فإن كانت ليلة غيم وقتر -والقتر: هو الغبار- ولم يروا الهلال، ويُحتمل أن يكون الهلال قد استهل لكنهم لم يروه للغيم أو القتر؛ فأهل العلم منهم من يوجب الصيام، ومنهم من لا يوجبه، ومنهم من ينهى عنه، والصحيح النهي كما تقدم.
وهنا المؤلف رحمه الله قال: [احتياطاً بنية رمضان] إذاً: هو عنده من باب الاحتياط، لكنه يجب على المشهور في المذهب.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويجزئ إن ظهر منه].
هذا رجل صام يوم الثلاثين من شعبان احتياطاً فبان أن هذا اليوم من رمضان، ثبتت البينة في أثناء النهار أن هذا اليوم من رمضان، وأنه رئي في البلد الفلاني، وكان في القديم يتأخر الخبر، فثبت في النهار أنه من رمضان، فالحكم أنه يجزئه ذلك، ولذا قال: [ويجزئ إن ظهر منه] أي: يجزئ إن ظهر من رمضان.
قال رحمه الله تعالى: [وتصلى التراويح احتياطاً كذلك] فيصومون نهاره ويقومون ليلته احتياطاً.
قال رحمه الله تعالى: [ولا تثبت بقية الأحكام].
فبقية الأحكام لا تثبت كوقوع الطلاق، فلو أن رجلاً قال لزوجته: يا فلانة! أنتِ طالق في أول يوم من رمضان، فهل تطلق في هذا اليوم الذي هو يوم الشك؟ لا؛ لأنه يوم شك، لكنها تطلق في اليوم الذي بعده؛ لأنه هو اليوم المتيقن أنه من رمضان.
ولو أن رجلاً أجّل دينه أو كان على أقساط يحل القسط في أول رمضان، فهل يحل في يوم الشك؟ لا يحل، بل يحل في اليوم الذي بعده.
ولذا قال: [كوقوع الطلاق والعتق] فلو قال: يا فلان! أنت حر في أول يوم من رمضان؛ فلا يعتق في هذا اليوم الذي هو يوم الشك، وحلول الأجل كذلك.