أولاً خلاف التنوع: وتعريفه الدقيق: هو ما ينجم عن دليل.
يعني: أن كل قول من الأقوال له دليل في المسألة، فمثلاً مسألة استقبال القبلة واستدبارها عند قضاء الحاجة اختلف العلماء فيها: فبعض العلماء يقول: لا يجوز مطلقاً، وبعض العلماء يقول: إننا نفرق بين البنيان وغير البنيان، وكل له دليل على ما يقول.
ومثلها كما سبق مسألة الوضوء من أكل لحم الجزور، فالجماهير يرون أنه لا وضوء على من أكل لحم الجزور، والحنابلة يرون أن الوضوء لازم على من أكل لحم الجزور، وكل له دليل، فيكون الخلاف هنا خلاف تنوع؛ لأن كل إنسان منهم معه دليل.
وهذا الخلاف سنة كونية لا يمكن أن نقطعها بحال من الأحوال, فلا يصح أن يقال: توحدوا على قول واحد، فإن الله تعالى قال:{وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ}[هود:١١٨] وكان النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقيم الليل يدعو الله جل في علاه: (اللهم اهدني لما اختلف فيه من بإذنك).
فهو يعلم أن الخلاف وسنة كونية لها حكم عظيمة جداً، والله جل وعلا يفرق بين المختلفين، ولا يسوي إلا بين المتماثلين.
وهناك عالم يسهر ليله، ويتعب نفسه، ويجتهد في السماع والقراءة والتأمل، ويسافر في البلاد ليسمع المعلومة ويتعلم المسألة، وهناك آخر جالس على سريره، فالفرق بينهما بعيد، والله قد يفاوت بين الناس في هذه المسائل حتى يبين مرتبة الأول من مرتبة الثاني، وفي هذا حكمة عظيمة جداً يجليها لنا حديث النبي صلى الله عليه وسلم:(رب حامل فقه إلى من هو أفقه منه).