بالمثال يتضح المقال: قام رجل ونوى الصلاة، وبعد أن انتهى من الصلاة بمدة وجد في ثوبه نجاسة، وتأكد وتيقن أن هذا الثوب فيه نجاسة، لكنه لم يدر هل هذه النجاسة كانت في هذه الصلاةّ! أم كانت في الصلاة التي قبلها؟ وهل يقضي هذه الصلاة فقط أم يقضيها مع ما بعدها؟ فرجع إلى أهل الذكر، وسأل أحد الفقهاء، فقال له الفقيه الذي يعلم كيف يأصل المسائل ويجيب عنها بالتأصيل الصحيح: هل أنت متأكد من رؤية النجاسة على ثوبك؟ قال: نعم، قال: إذاً: نطبق هذه القاعدة وهي أن الحادث يضاف إلى أقرب الأوقات، فإذا كان آخر مرة دخلت فيها الخلاء؛ لتقضي حاجتك كانت في صلاة الظهر، وهذه النجاسة رأيتها في صلاة العشاء فأقرب الأوقات التي وقعت فيه نجاسة على ثوبك هو وقت الظهر، إذاً: من صلاة الظهر أصبح الثوب نجساً، فيجب عليك أن تصلي الظهر والعصر والمغرب والعشاء؛ لأننا رددنا الحادث إلى أقرب الأوقات.
المثال الثاني: رجل صلى الفجر ثم الظهر ثم العصر، وهو يصلي العصر وجد المني في ثوبه، ولم يتذكر احتلاماً، فعلم أنه على جنابة، وأن صلاته غير صحيحة، واحتار فيما عليه من الصلاة، وكم يقضي منها؟ فالواجب عليه تطبيق هذه القاعدة، فيرد الحادث إلى أقرب الأوقات، وأقرب الأوقات هو آخر نومةٍ نامها، فإذا كانت آخر نومة نامها هي قبل الفجر، فعليه أن يعيد صلاة الفجر والظهر والعصر؛ لأن الأصل إضافة الحادث إلى أقرب أوقات.
ومن هذه الأمثلة أيضاً: أن رجلاً تزوج بنصرانية -أي: أنه لم يأخذ بمذهب ابن عمر؛ ومذهبه -أي: ابن عمر - هو عدم جواز الزواج من الكتابية؛ لعموم قول الله تعالى:{وَلا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ}[البقرة:٢٢١] أي: كل المشركات، ولكن قد دل الدليل على جواز الزواج بنساء أهل الكتاب -وبعد أن تزوجها مات، فجاءت تطالب بحقها من الميراث، فمنعها الورثة؛ لأنها ليست مسلمة؛ والنبي صلى الله عليه وسلم قال:(لا يرث المسلم الكافر، ولا يرث الكافر المسلم) فقالت: إنها قد أسلمت، فسئلت عن إسلامها: هل كان قبل موت زوجها أم بعده؟ لأنها إن أسلمت بعد الموت فلا ميراث لها، فادعت أنها أسلمت قبل موته, فأنكر الورثة وقالوا: إنما أسلمت بعد موته، فلا حق لها في الميراث، ففي هذه المسألة تطبق هذه القاعدة، ويضاف الحادث إلى أقرب أوقاته، وأقرب وقت لإسلامها: هو بعد موت زوجها، فيكون القول قول الورثة، ولا ميراث لها.
ومثل هذه المسألة: أن زوجة ادعت أن زوجها طلقها في أثناء مرضه فطلبت الإرث، ومسألة إرث المرأة من زوجها إذا طلقها وهو مريض مسألة مختلف فيها، والراجح أن الزوج إذا كان قصده حرمانها من الميراث فالطلاق لا يعتد به، وترث، وهنا قالت المرأة: إن زوجها طلقها في مرضه، فأنكر الورثة وقالوا: إنما طلقها حال صحته، ففي هذه المسألة تطبق القاعدة ويضاف الطلاق إلى أقرب الأوقات، وأقرب الأوقات: أنه طلقها وهو مريض.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، والحمد لله رب العالمين.