[قاعدة كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل]
هنا نتكلم عن بعض القواعد في النكاح، أول هذه القواعد وأهمها قاعدة: (كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل).
فهذه القاعدة مهمة جداً، ومتعين على كل إنسان أن يتعلمها، وهي مشتقة من حديث النبي صلى الله عليه وسلم في واقعة بريرة، وذلك عندما أرادت عائشة أن تشتري بريرة من الذين كاتبوها، فقالوا: نشترط أن الولاء يكون لنا، فالنبي صلى الله عليه وسلم لما أخبر بذلك غضب غضباً شديداً ثم قال: (ما بال أقوام يشترطون شروطاً ليست في كتاب الله، كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل، ولو كان مائة شرط).
ومثال ذلك: أن تشترط المرأة على زوجها في العقد عدم الزواج من غيرها، وهذا هو الأصل الأصيل في هذه القاعدة، وقبل أن نتحدث على هذه المسألة نذكر أقسام الشروط، حيث قسم العلماء الشروط إلى أقسام ثلاثة: القسم الأول: شروط متفق على صحتها، وعلى جوازها، وعلى العمل بها.
القسم الثاني: شروط متفق على منعها وتحريمها وعدم العمل بها.
القسم الثالث: وسط بين الطرفين: شروط اختلف العلماء فيها: هل تجوز أو لا تجوز؟ أما الشروط التي اتفق العلماء على جوازها فهي مثل أن تشترط المرأة على زوجها أن يعطيها المهر كاملاً لها، إذ إن المهر يجب لها.
أو يشترط الزوج أن تمكنه من نفسها، فهذا أيضاً شرط يوافق العقد، أو تشترط أن يطعمها حيث أكل، وأن يسكنها من حيث سكن، فهذا كله موافق للعقد، وهذه شروط صحيحة بالإجماع.
وكذلك مثل أن تشترط عليه ألا يبعد عنها، فهذا أيضاً يوافق العقد وهذه شروط لابد من الوفاء بها بالإجماع؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المسلمون عند شروطهم)، وقال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة:١]، ومن علامة الإيمان أن تفي بهذه العهود والشروط.
الصنف الثاني: شروط اتفق العلماء على حرمتها، وعلى عدم جواز العمل بها: كأن تشترط عليه أن العصمة في يدها، فهذا لا يجوز بالإجماع، إذ إن الطلاق بيد الزوج، أما إن قال لها: أمرك بيدك، فهذه مسألة أخرى ليست أصلاً أصيلاً.
وكذلك كأن تشترط ألا يجامعها، فهذا شرط محرم كذلك، بل إنه لا يدفع المهر إلا أن تمكنه من نفسها، فإذا اشترطت ألا تمكنه من نفسها فهذا شرط محرم، ولا يجوز العمل به بالإجماع.
وهكذا حكم كل الشروط التي على نفس هذا السياق، كأن تقول: لا تدخل بي حتى تطلق امرأتك الثانية، فهذا أيضاً من الشروط المحرمة، والدليل على أنه إذا طلبت منه طلاق أختها فهي آثمة ولا يحل لها ذلك حديث في الصحيح، يقول فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تطلب طلاق أختها حتى تكفأ صحفتها وتأخذ ما في إنائها)، فيحرم عليها أن تطلب طلاق أختها.
الصنف الثالث: الشروط التي اختلف العلماء فيها: وأشهرها: أن تشترط المرأة على زوجها ألا يتزوج عليها، فقد اختلف العلماء في ذلك على قولين: القول الأول: قول جماهير أهل العلم، قالوا: هذا شرط محرم، فيترتب على ذلك أن تأثم المرأة بهذا الشرط.
يعني: لو كتبت في العقد أن لا يتزوج عليها، فهي آثمة بذلك، قالوا: هذا شرط محرم ولا وفاء به.
والدليل على أنه لا يجب الوفاء حديث النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال لـ عائشة: (اشترطي لهم الولاء)، مع أن الولاء أصبح بعد ذلك لـ عائشة، فهي لم توف بذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك كالمنكل بهم، فلذلك قال الجماهير من العلماء: إن اشترطت فالشرط لا عبرة به والعقد صحيح، واستدلوا على ذلك بالحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: (المسلمون عند شروطهم إلا شرطاً أحل حراماً أو حرم حلالاً)، قالوا: وهذا الشرط يمنعه من الحلال، فهو يحرم عليه أن يتزوج أكثر من واحدة، إذاً هذا شرط قد حرم حلالاً، فلا يجوز لها أن تشترط ذلك؛ لأنها تكون قد حرمت عليه الحلال، فالله جل وعلا قال: {فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} [النساء:٣]، فالصحيح أن هذا الشرط محرم؛ لأنه يمنع حلالاً على الرجل، فلا عبرة به.
القول الثاني: وهو قول الحنابلة، حيث قالوا: هذا الشرط صحيح، ويجب الوفاء به، وللمرأة أن تطلب الطلاق إن لم يوف بالشرط، فإذا كتبت: لا يتزوج غيري، فتزوج غيرها، فلها أن تفسخ العقد.
واستدلوا على ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم: (إن أحق الشروط أن توفوا بها ما استحللتم به الفروج).
واستدلوا كذلك بما ورد عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه: أن امرأة كانت قد اشترطت على زوجها ألا ينتقل بها، فأراد أن ينتقل بها، فقال: مقاطع الحقوق عند الشروط، ففسخ العقد أو طلق المرأة من الرجل.
والراجح من القولين هو قول الجماهير، أي: أن هذا الشرط شرط غير معتبر؛ لأنه يحرم حلالاً، فلا يجوز للمرأة أن تشترط هذا الشرط، فإن اشترطت فهي آثمة، وعلى الرجل أن يلغي هذا الشرط ولا يعتبره، وله أن يتزوج على امرأته.
وعلى المسلم أن يذكر امرأته بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)، ويقول لها إنها ليست بأفضل من عائشة، ولا أغير من عائشة على النبي صلى الله عليه وسلم، وليست بأفضل من أم سلمة التي رفضت الزواج بالنبي في بادئ الأمر بسبب أنها امرأة لها شدة في الغيرة، ومع ذلك دعا النبي صلى الله عليه وسلم لها أن يذهب عنها غيرتها.