ومن صور تطبيق هذه القاعدة مسألة: طلب المرأة طلاق أختها: وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تطلب المرأة طلاق أختها لتكفأ صحفتها، أو لتأخذ ما في صحفتها).
والحديث ظاهره أن المراد أختها الشقيقة، أو الأخت من أم، والقاعدة عند العلماء أن اللفظ يبقى على ظاهره ما لم تأت قرينة تصرفه، ولكن ليس المراد بأختها هنا الأخت النسبية والقرينة الصارفة لهذا الظاهر هي نصوص أخرى، (فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يجمع المرء بين المرأة وعمتها والمرأة وخالتها).
وكذلك يصرف إرادة هذا الظاهر قوله تعالى:{وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ}[النساء:٢٣]، يعني: ليس لكم أن تجمعوا بين الأختين، وهذا النهي يكون صارفاً لظاهر الحديث أن يراد به الأخت النسبية.
بل المراد به أخوة الإسلام، ودليل إخوة الإسلام قول الله تعالى:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}[الحجرات:١٠]، وقول النبي صلى الله عليه وسلم (لو كنت متخذاً من البشر خليلاً لاتخذت أبا بكر، ولكن صاحبكم خليل الله، وإنما هي أخوة الإسلام).
فظهر بذلك معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم.
فقد تكون المرأة شديدة الغيرة، وتكون ضرتها أجمل منها، أو ألطف منها، أو أحسن منها حديثاً، وألين تعاملاً مع زوجها، فيكون الزوج إذا دخل بيت الأولى يكتئب لكنه يتقي الله في أداء حقها، فإذا دخل بيت الأخرى ينشرح صدره، وتلمس المرأة الثانية ذلك منه، وهي أم أولاده عنده فتقول: لا بد من طلاقها أو طلاقي، أو لا بد أن تطلق الأخرى، فيقال لهذه: اتقي ربك فلا يجوز لك أن تفعلي ذلك.
فلو قالت: هاتوا الدليل من التقعيد الفقهي لا من الأثر، فيقال لها: إن القاعدة الفقهية تقول: لا ضرر ولا ضرار، وأنت بذلك توقعين الضرر بأختك في الإسلام، وتوقعي الظلم عليها، ولعلها إذا طلقها لا تجد غيره يسترها ويتزوج عليها، بل لعلها تموت بذلك، ولا يجوز إنزال الضرر ابتداء، ولا جزاء.
ونرد عليها أيضاً بأن الله قد أباح التعدد فلا يجوز أن تحرم ما أباحه الله، هذا سنقوله للتي طلبت الطلاق.
ونقول للأخرى: حتى لو أوقعت ضرتك بك الضرر فليس لك مقابلة الضرر بضرر.