[أمثلة على هذه القاعدة]
من أمثلة هذه القاعدة: لو استأجر رجل نجاراً لصنع مكتبة خشبية، وكانت الخشب مع المستأجر -هروباً من عقد الاستصناع الذي اختلف فيه أهل العلم- ولم يستأجر إلا صنعته ووقته على هذا العمل، وبعد أن أتم النجار العمل أعطاه الرجل أربعة جنيهات، فلم يرض النجار بذلك، فتنازعا ثم رفع أمرهما إلى من يحكم بينهما بالشرع، فقال النجار: استأجرني ولم يتفق معي على أجرة، ولذلك فإنها إجارة مفسوخة؛ لأن من شروط الإجارة أن تكون معلومة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الغرر، والجهالة من الغرر، فقال الفقيه: كم أجرة صنع هذا العمل في ساحة النجارين؟ قالوا: خمسون جنيهاً, فألزم الرجل أن يعطي النجار خمسين جنيهاً، وينزل العرف هنا منزلة الشرط، والمعروف عرفاً كالمشروط شرطاً.
أيضاً: إذا عقد الرجل على امرأة وخلا بها فلا يجوز له أن يجامعها، وإن كان النبي صلى الله عليه وسلم قد قال: (واستحللتم فروجهن بكلمة الله) وهذا قد عقد عليها، فصارت حلالاً له بعد أن كانت حراماً، ولكن العرف السائد عند الناس: أنه لا يستطيع المرء أن يبني بالمرأة العاقد عليها إلا بموافقة الولي، وبعد الإشهار بين الناس.
فالصحيح الراجح في هذه المسألة أن نقول: المعروف عرفاً كالمشروط شرطاً، فلا يجوز له جماعها إلا بعد إشهار النكاح وموافقة الولي.
ومن الأمثلة على قاعدة: المعروف عرفاً كالمشروط شرطاً: أن الرجل إذا أعطى زوجته الشبكة المتعارف عليها، ثم أراد أن يأخذها منها، عملاً بمذهب الشافعية القائلين بجواز الرجوع في الهبة، فأبت المرأة أن تعطيه إياها؛ لأن الهدية عند الجمهور لا ترد؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه)، فتنازعا ثم رفع هذا التنازع إلى من يحكم بينهما بشرع الله، فحكم العرف السائد في بلدة الزوج والزوجة، فإن كان العرف: أن الشبكة من المهر، فهي من المهر وليست هدية، وإن كان العرف أنها هدية فهي كذلك؛ لأن المعروف عرفاً كالمشروط شرطاً.
ومن الأمثلة على هذه القاعدة: أن الرجل هو الذي عليه أن يجهز بيت الزوجية ويشتري الأثاث والفراش؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ولا يطأن فرشكم أحداً تكرهونه) فأضاف الفرش إلى الرجال، فدل على أن الزوج عليه كل شيء, لكن لو أن والد الزوجة تعاون مع زوج ابنته وجهز معه بيت الزوجية، فكل منهما أتى بنصف، فلو وقع الطلاق فيما بعد وكان العرف السائد بين الناس: أن والد الزوجة إنما أعطى ما أعطاه هدية لزوج ابنته، فلا يجوز أن يسترجع والد الزوجة مما أعطاه شيئاً، وهو حق للزوج، وإذا كان العرف: أن ذلك إنما كان هدية لابنته فليس من حق الزوج، ويعود كل ما أعطاه والد الزوجة إلى ابنته.
وعليه فلا يجوز لوالد الزوجة أن يحمل الزوج ما لا يطيق؛ حتى يُبقى على ابنته ولا يطلقها، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث المختلف في صحته، ولكن صححه الشيخ الألباني: (أكثرهن بركة أيسرهن مئونة) وسعادة المرأة خير من تلك التكاليف التي يكلف بها الزوج، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إن جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه).
ومن الأمثلة على هذه القاعدة: أن الرجل إذا أعطى ابنته ذهباً عند زفافها، وبعد الزواج استدان الزوج من زوجته ذلك الذهب، فاعترض والد الزوجة على ذلك وقال: إن الذهب الذي أعطيته لابنتي كان عارية، فليس لها أن تتصرف فيه، فوقع النزاع بين الرجل وابنته، ورفع هذا النزاع إلى من يفصل في المسألة بشرع الله.
فكان الحكم: هو أن العادة محكمة، والمعروف عرفاً كالمشروط شرطاً، فإذا كان العرف السائد بين الناس أن الرجل إنما أعطى ابنته ذلك عارية فهو عارية مؤداة، وإن كان العرف: أن ذلك هدية للبنت، فالصحيح الراجح: أنه هبة، وعند بعض العلماء: أن الوالد إذا وهب لولده شيئاً فلا يجوز أن يرجع في هبته.
إذاً: فالعرف قد قضى في المسألة أن هذه هبة، وليست عارية، ولا نأخذ بقول والد البنت أنها عارية, هذا عند من يقول: إن الوالد لا يرجع في هبته.
آخر هذه الأمثلة: لو جاء رجل واشترى سيارة من معرض السيارات، فقال البائع: هذه السيارة بخمسين ألفاً، فقال له المشتري: اشتريت، فكتبا العقد، فأخذ المشتري مفتاح السيارة وذهب بها، وأخبر البائع أنه سيعطيه قيمة السيارة بعد عشرة أيام، وأن العقد قد وقع بينهما وامتلك السيارة، وعليه دفع المال بعد عشرة أيام، فرفض البائع وقال: إنما أعطاه السيارة بقيمتها نقداً، ووقع النزاع، فقال بعض الفقهاء: إن المسألة دائرة على عرف الناس، فإن كان العرف أن من اشترى سيارة دفع قيمتها بعد أسبوع أو أسبوعين أو شهر كان الحكم هو أن يأخذ الرجل السيارة ويدفع المال في المدة المتعارف عليها، وإن كان العرف بين الناس: أن لا تستلم السيارة إلا بالثمن، فليس له أخذها إلا بعد دفع ثمنها نقداً، والمعروف عرفاً كالمشروط شرطاً.