[أمثلة على هذه القاعدة]
الأمثلة عليها كثيرة جداً: فمن ذلك: رجل رأى بناءً جميلاً جداً بالنسبة له، فأحبه وأراد أن يهبه لزوجته، فاشتراه من صاحبه، مع أنه لم ير أساس البيت، بل رأى ظاهره فقط.
فلو قيل: بيعك مفسوخ وعقدك باطل؛ لأنك وقعت في الغرر الجهالة، والنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الغرر، وأنت لم تر أساس البيت.
فإننا نقول: إن أساس البيت لا يرى حتى يهدم البيت، وهذا الأساس تابع للبناية الشكلية الظاهرة، فيغتفر في التابع ما لا يغتفر في الأصل.
مثال آخر: لو أن رجلاً رأى سيارة أعجبته جداً، فدخل معرض البيع فليس له أن يقطع جلد مقاعد السيارة ليرى حشوها هل هو جيد أو لا، ويظن أن ذلك ينفي الجهالة والغرر المنهي عنه.
فيقال له: إن هذا تابع، ويغتفر في التابع ما لا يغتفر في الأصل.
وكذلك شراء الجبة ونحوها، فيجوز ذلك وإن لم يعلم حشوها؛ لأنه يغتفر في التابع ما لا يغتفر في الأصل.
ونذكر هنا مسألة عظيمة جداً، وبعض العلماء استنبطوا هذه القاعدة من هذه المسألة، وهي: إذا بيت المسلمون الكفار، فقتلوا النساء والأطفال، وقتلوا الشيوخ في الصوامع.
فلو قال قائل: أخطأتم بأن قتلتم النساء والأطفال، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وقتلتم الشيوخ وهم لم يحاربوا، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك! فيقال له: الممنوع هو قصدهم بأعيانهم للقتل، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم عندما مر على امرأة من الكفار مقتولة قال: (ما كانت هذه لتقاتل)، ولكن الصحابة جاءوه مرة فقالوا: يا رسول الله! نبيت القوم وفيهم النساء والأطفال، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: (هن منهم حكمهن حكمهم).
وهذا صريح في أنه يغتفر في التابع ما لا يغتفر في الأصل، فكأنه يقول لهم: أنتم ما ذهبتم إلى البيوت وأخرجتم النساء وقتلتموهن، وما ذهبتم إلى الصوامع وأخذتم الشيوخ وقتلتموهم، ولكنكم قاتلتم الرجال وكان هؤلاء معهم فقتلوا معهم، فيغتفر في التابع ما لا يغتفر في الأصل.
وهناك مسألة أخرى عرضت على شيخ الإسلام ابن تيمية، وهي أن الكفار لو أخذوا المسلمين وتترسوا بهم، والحرب قائمة بين أهل الإسلام وأهل الكفر، وأهل الإسلام على قرب نصر بإذن الله، وأهل الكفر أرادوا أن يوقفوا زحف المسلمين فتترسوا بالمسلمين، فماذا يفعل المسلمون في هذه الحالة؟ فإذا بـ شيخ الإسلام يجيبهم، وكان بحراً لا ساحل له في العلوم، فطبق قاعدة: يغتفر في التابع ما لا يغتفر في الأصل، وذلك أنه لا يجوز ابتداءً أن يقتل المسلم مسلماً لقوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً} [النساء:٩٢]، ولكن إذا كان المسلم مع بعض الكفار الذين يوقعون القتل في المسلمين، وقتاله هذا لهم سيأتي بالنصر للمسلمين، ولكن معهم هذا المسلم قد تترسوا به فهنا يغتفر في التابع ما لا يغتفر في الأصل، فيجوز أن تقتلهم وإن قتلت المسلم معهم؛ لأن مصلحة الجماعة مقدمة على مصلحة الفرد، فقال شيخ الإسلام: اقتلوهم وارموهم بالنبال، ولو قتلتم المسلمين فعليكم الدية، ويغتفر في التابع ما لا يغتفر في الأصل.
ومما يدخل تحت هذه القاعدة مسألة الوقف، فإن العلماء قالوا: إن الوقف لا يصح إلا في العقار، يعني: في أرض أو بناء، أما المنقول الذي يستهلك كالفراش ونحوه فهذا لا يصح أن يكون وقفاً، فإذا كان هناك رجل له دار، فأوقفها كلها لطلبة العلم، فتصبح وقفاً لطلبة العلم مع أن فيها منقولاً كالأثاث والفراش ونحوهما، والأصل أن هذا لا يصح أن يكون وقفاً، ولكن هنا صحت أن تكون وقفاً من باب: يغتفر في التابع ما لا يغتفر في الأصل، فهي تابعة للأصل وهو العقار الذي يصح أن يكون وقفاً.