للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[تطبيق القاعدة على الصلاة]

ومن فروع هذه القاعدة، قاعدة عظيمة جداً وهي قول الشافعي: إذا ضاق الأمر اتسع وإذا اتسع ضاق، يعني: إذا وقع الحرج على المكلف في تطبيق الشرع، فيتسع الأمر له، ويترخص ليرفع عنه الحرج، أما إذا رجع حاله كحال الميسور فيرجع الأمر كما كان.

ودليل هذه القاعدة: قول الله تعالى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا * وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ} [النساء:١٠١ - ١٠٢]، ثم قال الله تعالى: {فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ} [النساء:١٠٣]، فصدر الآية يبين القول الأول وهو: إذا ضاق الأمر اتسع، وعجزها يبين لنا القول الثاني: وإذا اتسع ضاق، فقال الله تعالى: {فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء:١٠٣]، وآخر الآية أيضاً فيها دليل على قولهم: إذا ضاق الأمر اتسع وإذا اتسع ضاق، أي: إذا كان المكلف في تطبيق الشرع في حرج وضيق عليه، فإنه سيتسع له الأمر وسيترخص ولا عتب عليه ولا ملامة، وإذا اتسع الأمر، وزالت عنه المشقة أو الحرج، فيرجع الأمر كما كان.

إذاً: فدليل القاعدة: صدر الآية، وهي قول الله تعالى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا} [النساء:١٠١]، وكذا عجز الآية، وهو قول الله تعالى: {فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء:١٠٣].

أي: لما خاف المسلمون من المشركين أن يقتلوهم ضاق الأمر عليهم، ثم اتسع اتساعاً كبيراً بقوله تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ} [النساء:١٠١]، فإذا ضاق عليهم الأمر بالخوف، فالتوسعة عليهم بقصر الصلاة.

وتيسير ثان في تغيير هيئة الصلاة أي: صفتها، فبعض الصفوف تصلي أولاً والصفوف الأخرى هي التي تحميهم، وممكن أيضاً في أوج الخوف -وهو المقاتلة بالمسايفة-: أن يصلي المسلم راجلاً أو راكباً على فرسه، وهذا أيضاً من باب التيسير، أي: إذا ضاق عليكم الأمر واشتد الضيق فإن التيسير سيأتي من أوسع أبوابه فتقاتلون وتصلون، كما قال ابن عمر: مستقبلي القبلة وغير مستقبليها قاعدين، قائمين، نائمين، مقاتلين، يصلون حسب حالهم، وهذا من باب التيسير.

أما الشطر الثاني للقاعدة، وإذا اتسع ضاق فيؤخذ من معنى الآية، أي: إذا اطمأننتم ورجعتم إلى المدينة وزال الخطر فصلوا قائمين ولا تصلوا قاعدين ولا ماشين ولا بأي هيئة أخرى، وأيضاً صلوا في الوقت ولا تجمعوا.

ومن أدلة القاعدة قول النبي صلى الله عليه وسلم: (صل قائماً فإن لم تستطع فقاعداً)، أي: إذا ضاقت عليك الصلاة قائماً فصل قاعداً، وإذا ضاقت عليك الصلاة قاعداً فصل على جنب.

<<  <  ج: ص:  >  >>