للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[حجية الإجماع]

الإجماع حجة بالأثر والنظر: أما حجيته بالكتاب: فقال الله تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء:٥٩] فهذا دليل على الإجماع، ووجه الشاهد هنا: مفهوم المخالفة، أي: أنكم إذا تنازعتم ولستم على الحق، فردوا الأمر إلى الله وإلى الرسول يظهر لكم الحق، فإن لم تتنازعوا فأنتم على حق، فمفهوم المخالفة في دليل الخطاب يدل على أنهم على حق مع عدم التنازع.

وكذلك: قول الله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة:١٤٣] فقوله: ((أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ)) فهذا هو وجه الشاهد، أي: أن الله جل وعلا جعل هذه الأمة وسطاً، وجعلها شهداء على الناس، والشاهد الذي يرضاه الله جل وعلا لا يجتمع إلا على حق.

وكذلك: قول الله تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء:١١٥].

وجه الدلالة في الآية: أن سبيل المؤمنين -الذي هو الاجتماع- هو الحق؛ لأن الله توعد من خالف سبيل المؤمنين، فدل هذا على الإجماع وحجيته.

وأما حجيته بالسنة: فهو الحديث الضعيف: (لا تجتمع أمتي على ضلالة) رواه الترمذي بسند ضعيف، لكن له طرق يقوي بعضها بعضاً، فيرتقي لدرجة الحسن لغيره.

ووجه الدلالة من هذا الحديث: أن الأمة إذا اجتمعت، فإنها لا تجتمع إلا على حق.

لكن يغنينا عن هذا الحديث: حديث متواتر وهو في الصحيحين: (لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم) فهذا الحديث فيه دلالة على أن هناك طائفة ستوفق للحق، وحتى لو خالفها من خالفها، فهم على الحق.

إذاً: فاجتماعهم يكون حق وحجة، والطائفة التي تجتمع على الحق هم صفوة الأمة؛ لأننا قلنا: مجتهدي هذه الأمة، فإن لم تكن طائفة المجتهدين هم الطائفة التي تظهر على الحق فمن سيكون غيرهم؟! وأما دليل حجية الإجماع من النظر: فإن الله جل وعلا جعل هذه الأمة خير أمة أخرجت للناس، وجعل أفضل صحبة صاحبت النبي صلى الله عليه وسلم هي هذه الصحبة، قال الله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ} [آل عمران:١١٠] فمن لوازم خيرية هذه الأمة أنها إذا اجتمعت لا تجتمع إلا على الحق، وهذا من تمام الخيرية ولوازمها.

<<  <  ج: ص:  >  >>