أما حجية الاستحسان فقد اختلف العلماء فيه على قولين، والراجح التفصيل: القول الأول: أنه ليس دليلاً شرعياً بحال من الأحوال، وهذا قول جمهور الشافعية، ولذلك ورد في الرسالة عن الشافعي أنه قال: من استحسن فقد شرع فهو ينكر أشد الإنكار على الاستحسان، فالمسألة ليست بالهوى: العلم قال الله قال رسوله وقال الصحابة ليس بالتمويه ما العلم نصبك للخلاف سفاهة بين الرسول وبين قول فقيه وأصحاب هذا القول قالوا: وبالنظر نحن لم نؤمر أن نتبع في الأحكام إلا ما جاء الدليل به، وأقواه الكتاب، ثم السنة المتواترة، ثم الآحاد، ثم الإجماع، ثم القياس على الخلاف الذي بيناه، قالوا: وما أمرنا إلا بذلك، فكيف نجعل للهوى تحكم في أمور الشرع؟ فنحن لا نتبع الشرع.
القول الثاني: أنه حجة، وهذا قول الأحناف، وبعضهم يستدل لهم بقول النبي صلى الله عليه وسلم:(ما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن)، وقوله تعالى:{وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ}[الزمر:٥٥].
وهذا القول ضعيف جداً لما يأتي: أولاً: الحديث لا يصح مرفوعاً، فهو في مسند أحمد، لكنه موقوف على ابن مسعود بسند صحيح.
وأنا أقول:(ما رآه المؤمنون حسناً فهو حسن) ليس المقصود كل المؤمنين، وإنما المراد: المجتهدين، وبذلك قد يكون إجماعاً.
وأما الآية فهي في: الهدايات والتوحيد.
وبعض الشافعية أخذوا بالاستحسان، لكن ليس الاستحسان الذي هو حكم بالهوى، ولا مشاحة في الاصطلاح، فكثير من الأحكام التي قالها الأحناف استحساناً كان لها دليل شرعي، فيكون استحساناً؛ لأن مستنده الشرع، ونحن نوافق على هذا، وهذا الاستحسان يكون حجة، أما الاستحسان النابع عن غير دليل شرعي فليس بحجة شرعية.