للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مجمل الكلام في الدليل الثاني من أدلة التشريع: السنة]

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:١٠٢].

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:١].

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:٧٠ - ٧١].

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

تقدم الكلام عن الدليل الثاني من أدلة التشريع: هو السنة، والسنة أنواع: سنة فعلية وسنة قولية وسنة تقريرية.

مثال السنة التقريرية: إقرار الرسول للصحابي الذي صلى بالناس جنباً متيمماً، بعد أن قال: (أصليت بالناس جنباً؟)، فهو أقره بأنه تيمم وصلى بهم جنباً؛ وذلك بسبب شدة البرودة، فاحتج الصحابي بالآية وهي قوله: {وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ} [النساء:٢٩].

وأما عن علاقة السنة بالقرآن فهي: مفسرة للقرآن، مبينة لمجمله، وناسخة له على الراجح من أقول أهل العلم، ومخصصة لعامه، ومقيدة لمطلقه.

فمثلاً: لفظة السارق في قوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة:٣٨]، فالسنة بينت أن القطع يكون من الرسغ.

والسنة دلالتها على الأحكام ثابتة بالأثر وبالنظر: فمن الأثر: قوله تعالى: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} [النساء:٨٠].

وقوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ} [الأحزاب:٣٦].

وأيضاً قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} [النساء:٥٩].

وقوله تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا} [النساء:١٠٥].

ووجه الشاهد هو قوله: ((بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ)) و (ما) هنا اسم مبهم يدل على العموم، أي: كل ما أراك الله فاحكم بينهم به، أي: أن الله أراك في القرآن حكماً، وأراك في السنة حكماً، فاحكم بينهم بهذه الأحكام التي أراك الله إياها.

والسنة حفظت كما حفظ القرآن؛ وذلك بأن قيض الله رجالاً قاموا بتمييز الصحيح من الضعيف من الموضوع فيها.

وأما العمل بالسنة فواجب، وما صح من السنة فهو حجة ولا يجوز رده؛ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (يوشك أن يأتي أحدكم شبعان على أريكته، يقول: هذا كتاب الله بيننا، فما وجدنا فيه من حلال أحللناه، وما وجدنا فيه من حرام حرمناه، ألا وإني قد أوتيت هذا الكتاب ومثله معه) رواه أبو داود في سننه.

<<  <  ج: ص:  >  >>