للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[اختلاف العلماء في حكم الأمر بعد الحظر]

اختلف العلماء في الأمر الذي بعد الحظر، هل هو على الاستحباب أم هو على الوجوب أم الوقف؟ على ثلاثة أقوال: القول الأول: أنه على الوجوب؛ لأن هذه هي الصيغة الصحيحة للأمر، والأصل في الأمر الوجوب فنرجع للأصل، فكل أمر جاء بعد حظر فهو على أصله الذي هو الوجوب إن لم تأت قرينة تخرجه، قال تعالى: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [المائدة:٢]، يقولون: هذا على بابه، أي: على الوجوب، لكن القرينة جاءت فصرفته إلى الاستحباب، وقول الله تعالى: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} [البقرة:٢٢٢]، هذا أيضاً على بابه على الوجوب، إلا أن تأتي قرينة تصرفه.

القول الثاني: أنه على الاستحباب، وهذا قول الجمهور، ويستدلون أيضاً بقول الله تعالى: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [المائدة:٢]، والاصطياد على الإباحة لا على الاستحباب أي: أن الأمر بعد الحظر على الإباحة؛ فهم قالوا: الاصطياد مباح، والأمر به هنا على الإباحة، والصحيح الذي عليه المحققون من أهل الأصول من الحنابلة وبعض الشافعية وبعض الأحناف أن الأمر بعد الحظر يرجع ويعود إلى ما كان عليه أولاً، أي: إن كان مباحاً فهو مباح على الإباحة، وإن كان واجباً فهو على الوجوب، وإن كان مستحباً فهو على الاستحباب، وهذا الذي رجحه ابن كثير من الشافعية ومن المتأخرين.

والأمثلة على ذلك: المثال الأول: على الإباحة، كقول الله تعالى: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [المائدة:٢]؛ لأنه قال: {لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة:٩٥]، ثم قال: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [المائدة:٢]، فأصل الاصطياد مباح ليس بواجب ولا مستحب، فرجع إلى أصله وهو الإباحة، وقول الله تعالى: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} [البقرة:٢٢٢]، وأصل إتيان المرأة على الإباحة، لكن ممكن أن يرتقي إلى الوجوب، وممكن أن ينزل إلى الاستحباب، فهو على أصله، أي: على الإباحة.

المثال الثاني: أنه يرجع كما كان لو كان على الوجوب، كقول الله تعالى: {فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة:٥]، وقال: {وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ} [البقرة:١٩١]، فقد حرم الله قتال المشركين في الأشهر الحرم، ثم أمر بعد انسلاخ الشهر الحرام بالقتال، أي: اقتلوهم حيث ثقفتموهم، فالأمر هنا جاء بعد حظر، وقتال المشركين واجب؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله)، قال تعالى: {وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ} [البقرة:١٩١]، ولذلك قال الله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [البقرة:٢١٧]، وقال: {فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة:٥].

<<  <  ج: ص:  >  >>