وهناك أحكام تتعلق بالتخصيص بالاستثناء، ومنها: أنه إذا جاءت عدة جمل متعاطفة على بعض، ثم جاء في آخر هذه الجمل المتعاطفة استثناء، فهل يرجع الاستثناء على كل الجمل المتعاطفة أم هو على آخر جملة؟ اختلف العلماء في ذلك على قولين: القول الأول: قول الجمهور وهو: إنه يرجع إلى كل الجمل المتعاطفة.
القول الثاني: قول الأحناف وهو: أنه لا يرجع إلا على الجملة الأخيرة.
مثال ذلك: قول الله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً}[النور:٤] ثم قال: {وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا}[النور:٤] ثم: {وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}[النور:٤].
فهنا ثلاثة أحكام: الأول: {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً}[النور:٤].
إذاً اتهامهم بالفسق معطوف على عدم قبول الشهادة، معطوف على الجلد ثمانين جلدة.
ثم بعد هذه الأحكام قال:{إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}[النور:٥] فهل هذا يرجع على الثلاثة؟ على قول الجمهور: يرجع على الثلاثة، لكن هناك قرينة جاءت تبين أن التوبة لا تسقط الحد، وهي: أن الغامدية جاءت تائبة ومع ذلك أقام عليها النبي صلى الله عليه وسلم الحد، وكذلك قال لـ هلال بن أمية:(البينة أو حد في ظهرك)، فلو كانت التوبة تنفعه وتزيل عنه الحد لقال له: البينة أو توبة أو حد في ظهرك، وبهذا نكون قد أخرجنا سقوط الحد من الاستثناء الذي قال به الجمهور، وهو أنه يرجع على الكل، فيسقط الحد ويقبل الشهادة ولا يكون فاسقاً، فأخرجنا سقوط الحد بهذه الأدلة الكثيرة، فيبقى لنا:{إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}[النور:٥] أي: ستقبل شهاداتهم ولن يكونوا فاسقين.
لكن الأحناف قالوا: لا تقبل شهادتهم، وإنما يرفع عنهم الفسق فقط؛ لأن الاستثناء يرجع على آخر جملة.
ونحن نقول: إن قول الجمهور هو الراجح، ودليل ذلك: أن أبا بكرة بعدما قذف المغيرة جلده عمر، والجلد يسقط الحد، فقال له عمر بن الخطاب: تب فأقبل شهادتك، وهل هناك أحد رمى أبا بكرة بالفسق؟ حاشا لله، فهو صحابي كريم، لكن قال له عمر: تب أقبل شهادتك، وهذه دلالة على أنه لو تاب يرجع الاستثناء إلى قبول الشهادة، وأيضاً إلى عدم اتهامه بالفسق.