[اختلاف العلماء في كون الوجوب يفيد الفورية أم هو على التراخي]
هل الوجوب يفيد الفورية أم هو على التراخي؟ هذا محل نزاع كبير بين العلماء، وهو على ثلاثة أقوال، وليس هذا محل التفصيل، لكن الراجح الصحيح: أنه يفيد الفورية لا التراخي، سواء كان الأمر مطلقاً أو مقترناً بقرينة، كقول السيد لعبده: اسقني، فالقرينة هنا تفيد الفورية؛ لأنه لو لم يأت العبد بكوب الماء لسيده لاستحق الذم، فهذه القرينة تثبت الفورية، وأيضاً: إن كان مطلقاً فهو يثبت الفورية؛ لقول الله تعالى:{فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ}[البقرة:١٤٨] هذا من الكتاب.
أما من السنة فأدلة ناصعة وواضحة جلية، ففي صحيح مسلم:(دخل النبي صلى الله عليه وسلم على عائشة مغضباً، فقالت: يا رسول الله! من أغضبك أدخله الله النار؟ فقال لـ عائشة: أما رأيت قد أمرت الناس بالأمر فلم يفعلوا)، فهذه فيها دلالة على الفورية.
أولاً: وجه الشاهد في قوله: (أمرت الناس)، فوجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مغضباً، ولو كان الأمر على التراخي ما كان للنبي صلى الله عليه وسلم أن يغضب؛ لأنه إذا لم يفعلوا اليوم سيفعلون غداً، أو سيفعلون بعد غد، لكن غضب النبي صلى الله عليه وسلم إذ أمرهم أمراً فلم ينفذوا هذا الأمر، فغضب النبي صلى الله عليه وسلم، ففيه دلالة على الفور، أي: لابد أن يفعلوا هذا الأمر، ثم جاءت عائشة فقالت: أدخله الله النار، والله لا يدخل أحداً النار إلا على ترك واجب، وهنا ترك الفورية هو الذي أغضب النبي صلى الله عليه وسلم، فهذه فيها دلالة على أنه على الفور.
أيضاً: دخل النبي صلى الله عليه وسلم مغضباً في صلح الحديبية على أم سلمة عندما تقاعسوا عن الحلق لما أمرهم بالحلق فدخل مغضباً، فقالت:(يا رسول الله! اخرج عليهم دون أن تتحدث مع أحد، وادع الحلاق واحلق رأسك، ففعل ففعلوا كلهم ما فعل النبي صلى الله عليه وسلم) , الغرض المقصود: أنه دخل النبي صلى الله عليه وسلم دخل مغضباً أيضاً؛ لأنهم لم يمتثلوا للأمر على الفور، مع قرينة قول الله تعالى:{فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ}[البقرة:١٤٨]، وقول الله تعالى:{وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ}[آل عمران:١٣٣]، ولا يكون إلا بفعل الأوامر وترك النواهي.