[الأدلة من السنة واللغة على أن الأصل في الأمر المطلق عدم التكرار إلا بدليل]
إذاً: الأصل في الأمر عدم التكرار إلا أن تأتي قرينة تثبت التكرار، والدليل على هذا من السنة ومن اللغة.
أما من السنة:(أمر النبي صلى الله عليه وسلم للناس بالحج: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ}[آل عمران:٩٧]، فقام رجل: قال يا رسول الله! أفي كل عام؟ فغضب النبي صلى الله عليه وسلم وقال: لو قلت: نعم لوجبت)، معنى هذا: أن أصل وضعه ليس على التكرار، إلا أن يقول النبي صلى الله عليه وسلم: هو في كل عام، وقال:(دعوني ما تركتم)، وذم الأسئلة، فدل على أن أصل الأمر في اللغة: أنه لا يفيد التكرار إلا بقرينة، والدليل أيضاً أنه لا يفيد التكرار إلا بقرينة، قول الله تعالى:{أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا}[الإسراء:٧٨] إذاً: علق الله الصلاة بقوله: {لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ}[الإسراء:٧٨] وذلك كلما دلكت الشمس فعليك أن تقيم صلاة الظهر، وبين المواقيت كما في السنة التي فصلت مواقيت الصلوات، فهذه قد تعلقت بقرينة تثبت التكرار.
وفي رواية عن ابن عمر يعضد لنا ما رجحناه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:(لا تصلوا صلاة في يوم مرتين)، وهذا من أصل وضعه أنه إذا صلاها مرة فلا يصلي فيها مرة ثانية، وكل ذلك في الأمر المطلق، فالأمر المطلق لا يفيد التكرار، أما الأمر المقترن بشرط أو بقرينة تثبت التكرار فهو يفيد التكرار، كقول الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ}[المائدة:٦]، إذاً: كلما قمتم إلى الصلاة تتوضئون، وهذا على التكرار، لكن جاءت قرينة بينت أن هذا في حق المحدث، فهو الذي إذا قام للصلاة فلابد أن يتوضأ لكل صلاة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ورد أنه صلى خمس صلوات أو أربع صلوات بوضوء واحد.
أيضاً الأمر المتعلق بعلة يفيد التكرار إذا ظهرت هذه العلة، كما قلنا: إن الحكم يدور مع العلة حيث دارت، وتطبيقها أيضاً في مسألة الأمر، قال الله تعالى:{الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ}[النور:٢] رجل زنى بامرأة فجلدناه مائة جلدة، ثم تاب وآب واستغفر ربه جل وعلا، وبعد شهر تلاعبت به الشياطين واشتدت عليه شهواته فزنى مرة ثانية، فنجلده مرة ثانية؛ للقرينة التي أثبتت التكرار وهي العلة، ارتباط الحكم بعلته؛ لأنه يدور مع العلة حيث دارت.