[القول الثالث: التفصيل]
القول الثالث: التفصيل، وهو الراجح والصحيح, وهو: أن شرائع من قبلنا أنواع.
الأول: ما قرره شرعنا، وهذا بالاتفاق شرع لنا.
مثال ذلك: قول الله تعالى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ} [المائدة:٤٥] , وأتى شرعنا يقره, كما في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ} [البقرة:١٧٨] ,فنقتل من قتل, ونكسر من كسر, ونشج من شج, وزيادة على هذا تخفيفاً على هذه الأمة: لنا أن نأخذ الدية, وولي الدم بخير النظرين في ذلك.
أيضاً من الأحكام التي جاء الشرع بموافقتها: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} [طه:١٤]، وشرعنا يقر ذلك.
كذلك: جاء شرعنا يقر بوضوح ما عند اليهود والنصارى من أن السن بالسن، كما في قوله تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة:١٩٤]؛ فإذا كسر السن نكسر سنه, وهذا من شرعنا؛ فجاء الدليل من شرعنا يقر ما في التوراة, قال تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة:١٩٤].
وفي قصة عائشة لما غضبت وكسرت الإناء قال: (غارت أمكم غارت أمكم؛ طعام بطعام وإناء بإناء).
الثاني: ما نسخه شرعنا، وهذا باتفاق ليس بشرعٍ لنا.
مثال ذلك: السجود للمعظم تكريماً له لا عبادةً, كسجود إخوة يوسف عليه السلام له، ولما ذهب معاذ إلى قيصر وكسرى ورآهم يصنعون ذلك له, عاد وسجد للنبي عليه الصلاة والسلام تكريماً له وتعظيماً, فقال النبي عليه الصلاة والسلام: (لو أمرت أحداً أن يسجد لأحد لأمرت الزوجة أن تسجد لزوجها) , وهذا ناسخ لما ورد عن يعقوب عليه السلام.
كذلك: استقبال القبلة، فقد جاء شرعنا فأقر استقبال بيت المقدس، ثم جاء في شرعنا ما نسخه, فهذا أيضاًَ ليس شرعاً لنا.
كذلك: في التوراة كان في شرعهم لإزالة النجاسة إذا وقعت على ثوب أحدهم أن يطهرها بالمقاريض، أما في شرعنا فيكفيه أن يغسله حتى تذهب عنه.
فهذا ناسخ لشرع من قبلنا.
كذلك: كان في شرعهم أن الغنيمة حتى تقبل تنزل ناراً من السماء فتحرقها, ولما غل أحد بني إسرائيل منها لم يقبلها الله تعالى حتى أعاد ما أخذه منها, , أما في شرعنا فإن الغنيمة توزع على أسهم بينها الله في كتابه, وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (وأحلت لنا الغنائم) , وهذا ناسخ لما قبله.
الثالث: ما سكت عنه شرعنا، والقول الصحيح والراجح: أنه ليس بشرع لنا.