للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[التعارض بين نصين أحدهما أعم من الآخر من وجه وأخص من وجه]

أي: هذا عام من وجه وأخص من وجه، والآخر: عام من وجه وخاص من وجه، ويمثل له العلماء بقول الله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة:٢٣٤]، فالمرأة التي توفي عنها زوجها تعتد أربعة أشهر وعشرة أيام.

وقال الله تعالى: {وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق:٤].

فالآية الأولى خاصة في الموت، عامة في كل الأزواج، الحامل والحائض.

والآية الأخرى خاصة بالحمل، عامة في الطلاق والموت.

فنقول: خصوص وجه الحمل يحمل على على عموم قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ} [البقرة:٢٣٤]، فنقدم خاص وجود الحمل على عموم قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ} [البقرة:٢٣٤]، يعني: قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة:٢٣٤] عام في كل النساء إلا الحامل، وعند ذلك سنخصص الحامل بأن تضع حملها.

لماذا هذا التعسف؟ لماذا لا نقول: الخاص يحمل على العام، ونجعل الخاص هو الذي يحمل على العام الثاني؟ نقول: هذا أصعب وجوه الجمع، لأن القرينة المحتفة هي التي ترجح لنا، وقد جاءتنا قرينة تبين لنا حمل عموم آية: ((وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ)) على خصوص الحامل، وهي حديث سبيعة الأسلمية، فقد كانت حاملاً ومات عنها زوجها قبل أن تضع بليال قليلة، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: (قد حل لك الزواج).

أي: بعد أن وضعت.

وحديث أبي السنابل قال: (كذب أبو السنابل)، أي: أخطأ؛ لأنه قال: (كلا حتى يبلغ الكتاب أجله) يعني: أربعة أشهر وعشراً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (بل هي حلت للأزواج) وذلك بعدما وضعت حملها، فهذه قرينة ودليل تجعلنا نرجح حمل هذا العام على الخصوص.

أيضاً: هناك دليل آخر ظاهره التعارض، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة بعد العصر وبعد الفجر، فهذا عام في كل الصلوات، خاص بالوقت بعد العصر وبعد الفجر.

وحديث آخر: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يركع ركعتين) فهذا عام في كل وقت، فإذا دخل أحدكم عصراً مغرباً عشاءً فجراً، فليركع ركعتين إذا أراد الجلوس.

إذاً: دخول المسجد وصلاة ركعتين فيه يكون عاماً في الوقت خاصاً في الصلاة، فأيهما يحمل عن الآخر؟ نبحث عن القرائن، وإن لم نجد نتوقف، لكن هنا إن لم يكن هناك قرائن فإن عندنا وجوه للترجيح في الحمل، وهي: أن العام الذي خصص قد يكون أضعف في الدلالة من العام الذي لم يخصص، فننظر في النهي عن الصلاة بعد الفجر وبعد العصر، فنجد أنه قد خصص بقضاء الفائتة، يعني: رجل نام عن الظهر ولم يستيقظ إلا بعد العصر، فهل يصليها أو لا؟ يصليها لحديث: (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها، لا كفارة لها إلا ذلك).

أيضاً: سنة الفجر إذا نام عنها، فقضاء السنن الرواتب التي لم يفرط فيها المرء إما أن يقضيها بعد الفجر، أو بعد الشروق، لأن النبي وجد من يصليها بعد الفجر فقال له: (الفجر مرتين؟) فقال: إنما هي سنتها، فأقره، والنبي صلى الله عليه وسلم قد قضى سنة الظهر بعد العصر.

إذاً: هذا العام قد خصص فضعفت دلالته، فنقدم عليه العام الذي لم يخصص، وهو حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يركع ركعتين).

<<  <  ج: ص:  >  >>