[معنى الاستصحاب]
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداًَ عبده ورسوله.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:١٠٢].
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:١].
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:٧٠ - ٧١].
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
ثم أما بعد: نتكلم عن دليل جديد، وإن اختلف العلماء فيه، هل هو دليل أم لا؟ وهو دليل الاستصحاب.
الاستصحاب لغة: هو طلب المصاحبة مع الاستمرار فيها.
وفي الاصطلاح: طلب استدامة إثبات ما كان ثابتاً أو نفي ما كان منفياً.
أو هو: بقاء ما كان على ما كان، بمعنى: الاستصحاب العدم الأصلي، أو البراءة الأصلية.
فمثلاً: كل ماء نزل من السماء فهو طهور، أي: كل ما نزل من السماء من ماء فهو طهور لا يتغير، وذلك حتى يأتينا دليل على التغير من الطهورية إلى النجاسة، فهذا معنى: استدامة ما كان ثابتاً على ما هو عليه، أو ما كان منفياً على ما هو عليه.
كذلك الأصل عدم اتهام المرء بالسرقة، فكل إنسان بريء من الاتهام بالسرقة حتى تثبت الإدانة، وتثبت هذه السرقة، وهو معنى الاستصحاب.
اختلف العلماء هل هو دليل أم لا؟
الجواب
الاتفاق المشترك بين الأئمة الأربعة على أنه دليل دفع، وقال الجمهور خلافاً للأحناف: إنه دليل دفع وإثبات، ومعنى: دليل دفع، أي: ندفع أي شيء يشوش علينا أمر اليقين الذي نحن فيه أو ما كان ثابتاً، فنحن ندفع كل شك يأتينا ليغير هذا اليقين، وذلك حتى يكون يقيناً مثله.
مثال ذلك: توضأ رجل فتمضمض واستنشق واستنثر وغسل وجهه، وأتى بالأركان والواجبات والمستحبات، ثم قام يصلي، فنحن على يقين أنه متوضئ، إذاً كل شك أتاه لا يزيل اليقين، ولا يزيل الطهور بحال من الأحوال، فهو دليل للدفع، أي: يدفع كل شك يقطع لنا الطهورية التي فيها الرجل.