خطاب الشارع: هو كلام الله جل وعلا، ويقصد به القرآن، وأيضاً تدخل معه السنة، وإذا قلنا:(خطاب الشارع) فالمراد به: المتواتر وغير المتواتر، فالقرآن تكلم الله به وسمعه منه جبريل، ونزل به إلى محمد صلى الله عليه وسلم، وكذلك الأحاديث القدسية الله جل وعلا تكلم بها، والنبي صلى الله عليه وسلم ينسبه إلى الله جل وعلا، أي: أن النبي صلى الله عليه وسلم لا ينفرد به، والراوي عن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: قال رسول الله: قال الله تعالى.
إذاً: الحديث القدسي يختلف عن السنة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ينسبه إلى الله، وكذلك يختلف الحديث القدسي عن القرآن، إذ القرآن لفظاً ومعنى من الله جل وعلا، وأما الحديث القدسي فلفظه من الرسول صلى الله عليه وسلم، لكن معناه من الله جل وعلا، إذ ينزل جبريل بالمعنى والنبي صلى الله عليه وسلم يأتي باللفظ، والسنة تنسب إلى رسول الله، لكننا نقول أيضاً: السنة وحي من الله، والدليل قوله تعالى:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}[الحشر:٧]، فهذا إلزام وليس بدليل، فأنا ألزمه بما أتى به النبي صلى الله عليه وسلم، لكني أريد دليلاً على أن السنة وحي من الله جل وعلا، وإذا أثبتنا أن السنة وحي من الله، سنرد على القرآنيين الذين ينكرون السنة.
والدليل أن السنة وحي:{إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى}[النجم:٤]، ووجه الدلالة علمياً:(إن) هنا بمعنى: ما نافية، فهي نفي إثبات يفيد الحصر، (إن) و (إلا) وأصلها: ما هو إلا وحي يوحى، ولفظة:(وحي) نكرة في سياق النفي تفيد العموم، فكل ما يتكلم به النبي صلى الله عليه وسلم فهو وحي يوحى.
وأوضح من ذلك تصريحاً: قول الله تعالى: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ}[الأحزاب:٣٤]، فآيات الله: القرآن، والحكمة: السنة؛ لأن الأصل في العطف المغايرة، أقول:(واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله) وأقف، وأقول:(واذكرن ما يتلى في بيوتكن من الحكمة) فالحكمة غير الآية، فالآية هي: القرآن، والحكمة هي: السنة، يقول الشافعي: بالاتفاق آيات الله هي: القرآن، والحكمة هي: السنة.
ويوضح ذلك جلياً ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:(لا ألفين -أي: لا أجدن- أحدكم على أريكته شبعان يأتيه الأمر من أمري فيقول: اعرضه على كتاب الله فما وافق كتاب الله أخذنا به وما لم يوافق لم نأخذ به، ألا وإني قد أوتيت القرآن ومثله معه) والمثلية هنا تدل على المساواة، وإن كان هناك تفاوت في القدسية، فالسنة أيضاً وحي يوحى من عند الله جل وعلا.
إذاً: فخطاب الشارع -أي: الوحي الذي نزل به جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم- هو: قرآن وسنة، والإجماع أيضاً يدخل معه؛ لأن الإجماع لا يمكن أن يكون إلا بدليل؛ لأن الله أبى أن تجتمع هذه الأمة إلا على حق، والحق إما من كتاب الله أو من سنة النبي صلى الله عليه وسلم.