للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:

[تتمة في طرق الترجيح]

إذا لم يتمكن العلماء من إزالة التعارض بالجمع أو النسخ أو الترجيح، فإنهم يبحثون عن دليل مستقل، وإن لم يجدوا فلهم التوقف، فلا يعملون بهذا الدليل، ولا بذاك.

السؤال

لماذا نقدم الجمع على النسخ والترجيح؟ القاعدة التي قعدها العلماء: إعمال الدليلين أولى من إعمال أحدهما، ومن طرق الترجيح: المثبت يقدم على النافي، والأخذ بالزيادة، فالذي معه زيادة علم نأخذ منه، لكن لا بد أن تكون هذه الزيادة غير مخالفة.

مثال ذلك: الشافعية يرون أن من السنة أن يشير المصلي في التشهد بأصبعه إلى القبلة دون تحريك، لكن حديث زائدة بن قدامة قال فيه: (يشير بها يحركها) ففيه زيادة علم وهو التحريك، فننظر في التحريك هل يخالف الإشارة؟ إذا قال الرجل: تعال هنا، قالوا: أشار بيده أن تعال، فهذه إشارة فيها تحريك، إذاً التحريك لا يخالف الإشارة، وهو زيادة علم فنأخذ بها، فنقول: يشير يحركها.

أيضاً: يمثل بعض العلماء بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يمس القرآن إلا طاهر).

قال أبو داود: حتى لو وجدت زيادة علم فنأخذ بالمعنى الأفضل، وهو يشمل كل المعاني، هنا: (لا يمس القرآن إلا الطاهر)، فيمكن أن يحتمل أنه طاهر بإسلامه، قال النبي صلى الله عليه وسلم لـ أبي هريرة: (سبحان الله! إن المؤمن لا ينجس) وهو في الصحيحين.

أيضاً: ممكن أن يحتمل أن يكون طاهراً من الجنابة، أو أن يكون طاهراً بالوضوء، فأيهما أشمل في المعنى؟ بالوضوء.

فنقول: نأخذ بالأشمل في المعنى؛ لأنه سيضم كل هذه المعاني، يعني: من باب أولى أنه غير جنب، ومن باب أولى أنه مسلم.

إذاً: يشمل كل المعاني، فنقول: قطعاً لا يمس القرآن إلا طاهر، يعني: لا يجوز لأحد غير متوضئ أن يمس القرآن، وهذا هو الصحيح الراجح.

وأخيراً: أن تأخذ في الترجيحات بالحيطة، فتحتاط لدينك، فإذا جاءك حاظر ومبيح، فأنت تحتاط لدينك فتقدم الحاظر على المبيح؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك)، وقوله: (من ترك الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه).

<<  <  ج: ص: