[الأدلة على الاحتجاج بمفهوم المخالفة]
والأدلة على ذلك كثيرة من الأثر ومن النظر.
أما من الأثر: الدليل الأول: قول الله تعالى: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} [التوبة:٨٠].
فالله جل وعلا يقول للنبي صلى الله عليه وسلم: (استغفر أو لا تستغفر)، ثم أتى بشرط فقال: {إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} [التوبة:٨٠] وهذا مفهومه: أنك لو استغفرت لهم أكثر من سبعين مرة فيحتمل أن يغفر لهم، فقام النبي صلى الله عليه وسلم يستغفر للمنافق فقال له عمر: كيف تستغفر له وقد قال الله: {إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً} [التوبة:٨٠]؟ فقال: (سأستغفر فوق السبعين).
أو قال: (فوالله لأزيدن على السبعين).
فالنبي صلى الله عليه وسلم شرع لنا مفهوم المخالفة في هذا، وبين أنه يُحتمل أن أكثر من السبعين فإن الله يغفر له، لكن الله حسم هذا المبدأ، وبين أن هذا المفهوم غير مراد فقال: {وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ} [التوبة:٨٤].
الدليل الثاني: إقرار النبي صلى الله عليه وسلم لـ عمر بن الخطاب عند أن قرأ الآية: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} [النساء:١٠١].
وهنا مفهوم شرط أيضاً.
فالمنطوق: إن خفت من أهل الكفر فلك أن تقصر من الصلاة، ومفهوم المخالفة: إن لم تخف فلا تقصر من الصلاة.
فقال: يا رسول الله! ما لنا اليوم في أمان ونقصر من الصلاة في السفر؟ فأقره النبي صلى الله عليه وسلم ولم ينكر عليه فهمه؛ فكأنه قال له: نعم أنت على حق في فهمك.
ثم بين له أن قصر الصلاة لعلة أخرى فقال: (صدقة تصدق الله بها عليكم).
الدليل الثالث: حديث أبي ذر رضي الله عنه وأرضاه قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يقطع الصلاة الكلب والحمار والمرأة)، وفي رواية: (الكلب الأسود).
فقال أبو ذر مستعملاً مفهوم المخالفة: يا رسول الله! ما بال الكلب الأسود؟ معنى هذا: أن أبا ذر فهم من هذا التقييد: أن الكلب الأسود هو الذي يقطع الصلاة، وأما بقية الكلاب فلا تقطع، فقال النبي صلى الله عليه وسلم مقراً لفهم أبي ذر (الكلب الأسود شيطان).
يعني: أن مفهوم المخالفة: أن الكلب الأصفر لا يقطع الصلاة؛ لأنه ليس بشيطان.
الدليل الرابع: حديث ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله: (من مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة)، فقال ابن مسعود: وأنا أقول: من مات يشرك بالله شيئاً دخل النار، أو قال: لم يدخل الجنة.
فقول ابن مسعود هذا فيه دلالة على مفهوم المخالفة؛ فإنه فهم النص وفهم منه المخالفة.
وقد جاء النص صريحاً عن النبي صلى الله عليه وسلم مرفوعاً من غير رواية ابن مسعود بنفس التصريح، أو من رواية ابن مسعود بنفس التصريح: (من مات يشرك بالله شيئاً دخل النار، أو لم يدخل الجنة).