للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[النهي المطلق للفور والدوام]

من المسائل المتعلقة بباب النهي: أن النهي يقتضي التكرار، فيجب على من علم بنهي النبي صلى الله عليه وسلم أن ينتهي عنه طيلة حياته وعلى الدوام، ولذلك قال القاضي القرافي قلت: للشيخ العز سلطان العلماء إن لم يقتض النهي التكرار ما وجد عاصياً في هذه الدنيا.

والصحيح والراجح في ذلك: أن الله جل وعلا إذا قال: (انتهوا)، فالانتهاء يكون إلى يوم القيامة، إلا إذا عُلِّق بوصف معين فالحكم يدور مع علته حيث دار، وممكن أن يخرج النهي المعلق بوصف أو بعلة.

فمثلاً: النهي عن الصيام ليلاً -الوصال- على قول من رجح بحرمة الوصال، فأنه يحرم الصيام من الليل إلى الفجر.

ومن الأمثلة التي خرج بها النهي عن التحريم إلى الكراهة أو الإرشاد أو التحقير: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أن ينتعل الرجل وهو قائم، قال بعض العلماء: هذا النهي للكراهة، وهذا قول الجمهور، لكن نقول: إن الأصل في النهي التحريم وائتونا بالدليل والقرينة التي صرفت النهي إلى الكراهة، لكن ممكن أن تكون القرينة: خشية أن ينكب على وجهه، وإن تمكَّن فله أن يفعل، والله تعالى أعلم.

والقاعدة التي قعَّدها جمهور الفقهاء: أن النهي أو الأمر إذا كان من الآداب فيصرف الأمر إلى الاستحباب، ويصرف النهي إلى الكراهة، وهذه مسألة تحتاج إلى دليل حتى تنضبط به المسألة.

ويخرج أيضاً النهي من التحريم إلى الإرشاد، كقول الله تعالى: {لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [المائدة:١٠١]، وقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تحقرن من المعروف شيئاً)، وكقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تدعن دبر كل صلاة أن تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك).

وأيضاً قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تتخذوا الضيعة فترغبوا في الدنيا).

ويخرج النهي عن التحريم أيضاً إلى الدعاء؛ لأنه يكون من الأدنى للأعلى، كقول الله تعالى: {رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا} [آل عمران:٨].

ويخرج أيضاً من التحريم إلى التحقير، كقول الله تعالى مرشداً لأهل الصلاح: {وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ} [طه:١٣١]، يحقر زينة الدنيا.

وأيضاً يخرج النهي عن التحريم إلى بيان العاقبة، كقوله تعالى: {وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ} [إبراهيم:٤٢]، فالله جل وعلا لا يغفل عما يفعل الظالمون، وسيرجعون إليه ثم يحاسبهم على ما فعلوا.

ويخرج أيضاً النهي إلى التيئيس، كقول الله تعالى: {لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة:٦٦] فهو ييئسهم من أن هذا العذر غير مقبول في الدنيا، ومن باب أولى في الآخرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>