للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن الجدير بالذكر أن ابن مسعود، في كل ما نقل عنه في اعتراضه أو ثورته السابقة، لم يعترض إلا على إلزامه بالأحرف أو القراءات التي تضمّنها مصحف عثمان، وهو- أي ابن مسعود- الذي قرأ من في رسول الله صلى الله عليه وسلم! كما كان يقول (١)، ولم يعترض حتى على ترتيب هذا المصحف!

وبحسبنا في هذه العجالة أن نقول: إن من سهل عليه أن يطعن في جميع الصحابة والمسلمين الأوائل من المهاجرين والأنصار لزعم قامت الأدلة على نقيضه من القرآن نفسه، الذي أثنى الله تعالى فيه على صحابة نبيّه الكرام في أكثر من موضع، سهل عليه أن يقول ما شاء؛ يقول الدكتور محمد عبد الله دراز- رحمه الله-: «ونظرا لغيرة

المسلمين الأوائل ... يستحيل علينا أن نعلّل قبول الكافّة لمصحف عثمان دون منازعة أو معارضة بأنه راجع إلى انقياد غير متبصّر من جانبهم! ولقد قرر «نولدكه» أن ذلك يعد أقوى دليل على أن النص القرآني «على أحسن صورة من الكمال والمطابقة» (٢).

وينقل عن «لوبلوا» قوله: «إن القرآن هو اليوم الكتاب الرباني الوحيد الذي ليس فيه أي تغيير يذكر». وكان «وموير» قد أعلن ذلك قبله إذ قال: «إن المصحف الذي جمعه- نسخه- عثمان قد تواتر إلينا بدون أي تحريف. ولقد حفظ بعناية شديدة بحيث لم يطرأ عليه أي تغيير يذكر، بل نستطيع أن نقول: إنه لم يطرأ عليه أي تغيير على الإطلاق في النسخ التي لا حصر لها والمتداولة في البلاد الإسلامية الواسعة .. فلم يوجد إلا قرآن واحد لجميع الفرق الإسلامية المتنازعة، وهذا


(١) قال عبد الله بن مسعود: قرأت من في رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنتين وسبعين سورة- أو ثلاثا وسبعين سورة- وقرأت عليه من البقرة إلى قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ قال أبو إسحاق: وتعلّم عبد الله بقية القرآن من مجمّع بن خارجة الأنصاري.
القرطبي ١/ ٥٨.
(٢) الدكتور دراز: مدخل إلى القرآن الكريم ص ٣٩، دار القرآن الكريم- بيروت.

<<  <   >  >>