الكريم. فإذا ذكرنا أن ولادة هذه الأمة كانت من خلال تلك النصوص، فلنذكر أن ذلك لم يتم في يوم وليلة؛ بل تم خلال ما يقرب من ربع قرن كان القرآن الكريم فيها ينزل منجّما فيربّيها ويعدّها وينشئها .. بل يرسم للإنسانية على الدوام خطوات الصورة المثلى للبناء في الحاضر والمستقبل على حد سواء؛ يقول الأستاذ سيد قطب- رحمه الله-: «لقد جاء هذا القرآن ليربّي أمة وينشئ مجتمعا، ويقيم نظاما. والتربية تحتاج إلى زمن، وإلى تأثير وانفعال بالكلمة، وإلى حركة تترجم التأثير والانفعال إلى واقع. والنفس البشرية لا تتحول تحولا كاملا شاملا بين يوم وليلة بقراءة كتاب كامل شامل للمنهج الجديد. إنما تتأثر يوما بعد يوم بطرف من هذا المنهج وتتدرج في مراقيه رويدا رويدا، وتعتاد على حمل تكاليفه شيئا فشيئا، فلا تجفل كما تجفل لو قدم لها ضخما ثقيلا عسيرا، وهي تنمو في كل يوم بالوجبة المغذية فتصبح بالتالي أكثر استعدادا للانتفاع بالوجبة التالية، وأشد قابلية لها والتذاذا بها».
وقد تم هذا الإعداد الذي اقترن به عند المسلمين القول بالعمل بوسائل متعددة، وأمور كثيرة تحتاج ملاحقتها إلى دراسات خاصة. ونشير هنا إلى نقطتين اثنتين:
(أ) التربية من خلال الواقع، وربط الأمور بأسبابها ومسبباتها، وهذا أدعى إلى بيان مدى الواقعية في هذا الدين، وأن أحكامه أحكام عملية لا نظرية. وأدعى- من وجه آخر- إلى الفهم والتذكر والمسارعة في التنفيذ؛ قال تعالى:
وهذه امرأة ترفع إلى الرسول شكواها بأن زوجها ظاهر منها؛ فينزل قول الله تعالى: قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحاوُرَكُما إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (١) ... [الآيات في صدر سورة المجادلة].