وفي مناسبة أخرى يخاطب الله تعالى المؤمنين بقوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ [سورة الممتحنة، الآية ١].
وقصة الإفك التي تشير إلى حدث اجتماعي- أو ظاهرة في بعض الأحيان- تعالج في الوقت المناسب، وبعد أن يتخذ كل واحد من الناس موقفا أو يفتي برأي!! لتتعلم المجتمعات الإنسانية على مدى الدهر طريقة المعالجة، والموقف الواجب الاتباع: إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ [سورة النور، الآية ١١].
ولعل مما يشير إلى هذه الحكمة أو النقطة قول الله تعالى: وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلًا (١٠٦)[سورة الإسراء، الآية ١٠٦].
(ب) التدرج في التشريع، وذلك في الأمور المتمكنة من الأفراد وفي المجتمع بحيث يحتاج اجتثاثها أو التعفية على آثارها إلى وقت يقصر أو يطول؛ أي إن تخلي المجتمع عن مفاسده وشروره تم بواسطة هذا التدرج، وبعمق لم يشهد له التاريخ أو الواقع مثيلا. وكأن العملية التربوية المشار إليها في الفقرة السابقة وهي العمل الإيجابي،
كانت تتم في خط مواز لهذه الناحية السلبية، أو لعلها كانت تأتي على أعقابها في بعض الأحيان، على مبدأ (التخلية ثم التحلية).
ومن أمثلة هذا التدرج المشهورة تحريم الخمر الذي تم على هذه المراحل:
نزل أولا قوله تعالى:* يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما [سورة البقرة، الآية ٢١٩]. فوصفت هذه الآية حالة الخمر والميسر، وأن الإثم فيهما أكبر من النفع (١)، ولكنّها لم تصرّح بتحريمهما أو طلب الكفّ عنهما. فإذا أضفنا إلى ذلك أنها افتتحت بقوله تعالى:
(١) انظر إشارتنا السابقة إلى هذه الآية في الفقرة الثانية (العرب والقرآن) من الفصل الأول.