للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - إخبار عن نهي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي تقدمته الإباحة فصار ناسخًا لحديث عائشة - رضي الله عنها -، وإنكار الصحابة عليها مما يؤكد ذلك، وهذا النسخ من قبيل النسخ بدلالة التاريخ، وهو أن يكون أحد النصين موجبًا للحظر، والآخر موجبًا للإباحة، ففي مثل هذا يتعين المصير إلى النص الموجب للحظر؛ لأن الأصل في الأشياء الإباحة، والحظر طارئ عليها، فيكون متأخرا عنها، ولم يجعل الأمر بالعكس لئلا يلزم النسخ مرتين وهو ظاهر (١).

فإن قيل: ليس بين الحديثين مساواة؛ فلا تعارض فلا يحتاج إلى التوفيق.

فالجواب: أنه ظهر لك صحة حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - من الوجوه التي ذكرت، فثبت التعارض.

فإن قيل: قد أخرج مسلم من حديث عائشة - رضي الله عنها -، ولم يخرج حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.

فالجواب: أنه لا يلزم من ترك مسلم تخريجه عدم صحته؛ لأنه لم يلتزم باخراج كل ما صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكذلك البخاري ولئن سلمنا بذلك، وأن حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - لا يخلو عن كلام، فكذلك حديث عائشة - رضي الله عنها - لا يخلو عن كلام؛ لأن جماعة من الحفاظ مثل: الدارقطني وغيره- عابوا مسلمًا على تخريجه إياه مسندًا لأن الصحيح أنه مرسل، كما رواه مالك والماجشون عن أبي النضر عن عائشة مرسلًا، والمرسل ليس بحجة عندهم.

[٤١ ب/ص]

وقد أوَّل بعض أصحابنا حديث عائشة /بأنه - صلى الله عليه وسلم - إنما صلى في المسجد بعذر المطر، وقيل بعذر الاعتكاف، وعلى كل تقدير: الصلاة على الجنازة خارج المسجد أولى وأفضل؛ بل أوجب للخروج عن الخلاف، لا سيما في باب العبادات، ولأن المسجد بُنِي لأداء الصلاة المكتوبة؛ فيكون غيرها في خارج المسجد أولى وأفضل (٢).


(١) شرح معاني الآثار، أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة بن عبد الملك بن سلمة الأزدي الحجري المصري المعروف بالطحاوي (المتوفى: ٣٢١ هـ)، حققه وقدم له: (محمد زهري النجار - محمد سيد جاد الحق) من علماء الأزهر الشريف، راجعه ورقم كتبه وأبوابه وأحاديثه: د يوسف عبد الرحمن المرعشلي -، عالم الكتب، الطبعة: الأولى - ١٤١٤ هـ، ١٩٩٤ م، كتاب الجنائز، باب الصلاة على الجنازة هل ينبغي أن تكون في المساجد أو لا؟ (١/ ٤٩٢) (٢٨٢٤).
(٢) عمدة القاري (٨/ ٢١).