والاتصال عندهم: أن يعبر كل من الرواة في روايته عن شيخه بصيغة صريحة في السماع منه: كـ "سمعت"، و"حدثني"، و"أخبرني"، إذ ظاهره فيه كـ "عن"، أو "أن فلانًا قال"، وهذا الثاني في غير المدلس الثقة، أما هو فلا يقبل منه إلا المرتبة الأولى، وشرط حمل الثاني على السماع عند البخاري أن يكون الراوي قد ثبت له من حدّث عنه، ولو مرة واحدة.
وعرف بالاستقراء من تصرفه في الرجال الذين يخرّج لهم أنه ينتقي أكثرهم صحبة لشيخه وأعرفهم بحديثه، وإن أخرج في حديث من لا يكون بهذه الصفة، فإنما يخرج من المتابعات، أو حيث تقوم له قرينة بأن ذلك مما ضبطه هذا الراوي (١)، كما قال الحازمي: " فلنوضح ذلك بمثال وهو: أن تعلم أن أصحاب الزهري مثلًا على خمس طبقات، ولكل طبقة منها مزية على التي تليها:
فمن كان في الطبقة الأولى فهو الغاية في الصحة، وهو مقصد البخاري.
والطبقة الثانية: شاركت الأولى في التثبت إلا أن الأولى جمعت بين الحفظ والإتقان، وبين طول الملازمة للزهري حتى كان فيهم من يلازمه في السفر، ويلازمه في الحضر، والطبقة الثانية لم تلازم الزهري إلا مدة يسيرة، فلم تمارس حديثه، فكانوا في الإتقان دون الأولى وهم شرط مسلم.
والطبقة الثالثة: جماعة لزموا الزهريّ مثل أهل الطبقة الأولى غير أنهم لم يسلموا عن غوائل الجرح، فهم بين الرد والقبول، وهم شرط أبي داود والنسائي.
فأما الطبقة الأولى فهم شرط البخاري، وقد يخرّج من حديث أهل الطبقة الثانية ما يعتمده من غير استيعاب، وأما مسلم فيخرّج أحاديث الطبقتين على سبيل الاستيعاب، ويخرج أحاديث أهل الطبقة الثالثة على النحو الذي يصنعه البخاري في الثانية، وأما الرابعة والخامسة فلا يعرجان عليهما.
(١) التوشيح شرح الجامع الصحيح، للإمام الحافظ أبي الفضل جلال الدين عبدالرحمن السيوطي (ت: ٩١١) تحقيق: رضوان جامع رضوان، مكتبة الرشد، الرياض، الطبعةالأولى، ١٤١٩ هـ-١٩٩٨ م (١/ ٤٣ - ٤٦)