للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

من سبعين، ففهم - صلى الله عليه وسلم - من السبعين العدد المخصوص؛ لأنه الأصل، فنزلت: {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} [المنافقون: ٦]، فتركه (١).

فإنَّ قيل: كيف خفِي على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو أفصح العرب، وأخبرهم بأساليب الكلام، وتمثيلاته، والذي يفهم من ذكر هذا العدد كثرة الاستغفار، كيف، وقد تلاه بقوله ذلك بأنهم كفروا بالله ورسوله؛ فبين الصارف عن المغفرة لهم حتَّى قال: قد رخص لي؛ فسأزيد على السبعين؟

فالجواب: أنه لم يخف عليه ذلك، ولكنه خُيِّلَ بما قل إظهارًا لغاية رحمته ورأفته على من بعث إليه، كقول إبراهيم - عليه السلام -: {وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣٦)} [إبراهيم: ٣٦] وفي إظهار النَّبي - صلى الله عليه وسلم - الرأفة والرحمة لطفًا لأمته ودعاءً لهم إلى ترحم بعضهم على بعض، والله أعلم (٢).

وكذا الجواب عن الإشكال بأنَّه - صلى الله عليه وسلم - كيف استغفر بعد قوله -تعالى-: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ} [التوبة: ١١٣]، وهو متقدم على الآية التي فهم منها التخيير؛ فإنَّه نزل بعد موت أبي طالب حين قال - صلى الله عليه وسلم -: "والله لأستغفرن لك مالم أُنْهَ عنه"، ومحصل الجواب أن المنهي عنه استغفار مرجو الإجابة حتَّى يكون المقصود تحصيل المغفرة لهم، كما في أبي طالب بخلاف استغفاره للمنافقين؛ فإنه استغفار قصد به تطييب قلوب المؤلفة قلوبهم (٣).

(فَصَلَّى) - صلى الله عليه وسلم - (عَلَيْهِ) أي: على عبد الله بن أبي (فَنَزَلَتْ) آية {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا} [التوبة: ٨٤] لأنَّ الصلاة دعاء للميت واستغفار له، وهو ممنوع في حق الكافر، وإنما لم ينه عن التكفين في قميصه، ونهي عن الصلاة؛ لأنَّ الضنة بالقميص مخلٌّ بالكرم، وزاد أبو ذر في روايته: ولا تقم على قبره، أي: ولا تقف على قبره للدفن أو الزيارة (٤).

وفي الحديث: جواز التكفين في القميص سواء كان القميص مكفوف الأطراف أو لا، ومنهم من قال: لا يجوز إلا إذا كانت أطرافه غير مكفوفة، أو كان غير مزرر؛ ليشبه الرداء وردَّ البخاري


(١) التوضيح (٩/ ٤٨٤)، وعمدة القاري (٨/ ٥٥).
(٢) الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل (٢/ ٢٥٥).
(٣) فتح الباري (٨/ ٣٣٩)، وإرشاد الساري (٢/ ٣٩٢).
(٤) إرشاد الساري (٢/ ٣٩٢).