للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فالجواب: أنّ المختار عن ابن مالك وغيره خلافه، وهو المذهب الكوفي؛ لكثرة شواهده نظمًا ونثرًا، على أنه يمكن أن يعطف على المنصوب المتقدم؛ أي: لن تنفق نفقة حتى الشيء الذي تجعله في فم امرأتك، إلا أُجرت (١).

(فَقُلْتُ) أي: قال سعد - رضي الله عنه -: فقلت، وفي رواية: قلت (٢)، (يَا رَسُولَ اللَّهِ: أُخَلَّفُ) بضم الهمرة وفتح اللام المشددة على البناء للمفعول، يعني أخلف في مكة، (بَعْدَ أَصْحَابِى) المهاجرين المنصرفين معك، وفي رواية الكشميهني: أأخلف؟ بهمرة الاستفهام، قال أبو عمر: يحتمل أن يكون لما سمع النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، يقول: "إنك لن تنفق نفقة "، وهو فعل مستقبل، أيقن أنّه لا يموت من مرضه ذاك أو ظن ذلك فاستفهمه هل يبقي بعد أصحابه؟ فأجابه - صلى الله عليه وسلم - بضرب من قوله": لن تنفق نفقة تبغي بها وجه الله" (٣).

(قَالَ: إِنَّكَ لَنْ تُخَلَّفَ) بعد أصحابك، (فَتَعْمَلَ عَمَلًا صَالِحًا إلَّا ازْدَدْتَ بِهِ) أي: بالعمل الصالح (دَرَجَةً وَرِفْعَةً) قال القرطبي: هذا الاستفهام إنّما صدر من سعد - رضي الله عنه -، مخافة المقام بمكة إلى الوفاة، فيكون قادمًا في هجرته، كما نصّ عليه في بعض الروايات؛ إذ قال: " خشيت أن أموت بالأرض التي هاجرت منها (٤) ". فأجابه - صلى الله عليه وسلم -: بأنّ ذلك لا يكون، وأنّه يطول عمره. (٥)

فقال: (ثُمَّ لَعَلَّكَ) ذو (أَنْ تُخَلَّفَ) بأن يطول عمرك أي: أنك لن تموت بمكة، (حَتَّى يَنْتَفِعَ بِكَ أَقْوَامٌ) من المسلمين بما يفتحه الله على يدك من بلاد الشرك، ويأخذه المسلمون من الغنائم.

[٦٧ ب/ص]

/ (وَيُضَرَّ بِكَ آخَرُونَ) من المشركين الهالكين على يدك وعلى يد جندك، وكذلك كان، فإنّه عاش زيادة على أربعين سنة، حتى فتح العراق وغيره، وانتفع به المسلمون في دينهم ودنياهم، وتضرر به المشركون.


(١) مصابيح الجامع (٣/ ٢٤٥).
(٢) إرشاد الساري (٢/ ٤٠٨).
(٣) التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (٨/ ٣٨٧).
(٤) صحيح مسلم، كتاب الوصية، باب: الوصية بالثلث (٣/ ١٢٥٣) (١٦٢٨).
(٥) المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (٤/ ٥٤٧).